القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

خسارة البُعد عن القرآن

106

 

د/ زموم حسن 

إنَّ الذي لا يَقرَأُ القرآنَ، يخسَر كثِيْراً. تحضُرُني هنا حِكايَةٌ من التُّراثِ عنْ إِمَام مَسْجِدٍ، فذاتَ يومٍ من أيَّامِ رمَضَان دعَاه أحدُ الأشْخَاصِ من أهلِ تلك النَّاحِيَةِ إلى طعَامِ الإِفطَارِ، ولم يكُنْ في البيْتِ سِوَى ذاك الشَّخصِ وزوْجتِه. عندما وعدَه الإمَامُ بتلبيةِ الدَّعْوَة، أخبَرَ زوجتَه التِي باشَرَت في إعْدادِ الطَّعامِ. قبلَ الغُرُوبِ، حضَرَ الإمامُ إلى بيْتِهما، وتَنَاولَ طعَامَ الإفْطَارِ، وبعدَ ذلك انصَرَفَ شَاكِراً إيَّاهما على هذهِ الدَّعْوَة الكريمةِ. لكنْ بعد انصِرَافِه، تذكَّرَت الزوجةُ بأنها كانَت قد نسيت نقُوْدَها في ركْنٍ من البيْتِ، هذا الرُّكْنُ الذي كانَ الإمامُ جالِسَاً فيه، فهُرَعَت نحْوَ الرُّكْنِ، وصَارَت تبحَثُ دونَ أن تجِدَ النُّقُودَ. عندَها أخْبَرَت زوْجَها بِما حصَلَ، وأنَّها تشُكُّ بالإمَامِ، لأنَّه الوحِيدُ الذي دخَلَ بيْتَهما. وبعدَ شَيءٍ من التَّفكِيرِ طلبَتْ من زوْجِها الذي يصلِّيْ في المَسْجِدِ، وأن يُخبِرَ الإمامَ بِما حصَلَ، كي يُعِيدَ النقودَ، ويَعِدَه بأنَّه لن يخبرَ أحداً. فقالَ الزَّوجُ بأنَّه مُنْحَرِجٌ من ذلك، لكنَّه سيَكُفُّ عن الصَّلاةِ في ذاك المسْجِد خلفَ ذاك الإمَامِ الذي لم يقدِّرِ المعرُوفَ، بلْ سَطَا على النُّقُود. لبِثَ الأمرُ على ما هُو عليهِ حَتَّى دارَتِ السَّنةُ وحلَّ رمضانُ السَّنةِ القَادِمةِ، عندَها، طلبَ الرَّجلُ من زوجتِه أنْ يتَسَامَحَا مَع الإمَامِ، ويدعُواه أيضاً لتَنَاولِ طعامِ الإفطَارِ. فقالتِ الزوجَةِ بأنها موافِقَةٌ، لكنْ بشَرْطِ أن يُخبِرَ الإمامَ عن النُّقودِ بعدَ أن ينتهَيَ من تناْوُلِ الإفطَارِ. عندَ ذاك وافقَ الرَّجلُ، وبعدَ قطيعَةِ سنةٍ من دخولِ المَسْجِدِ

ذهبَ إلى المَسْجِدِ، وبعدَ الصَّلاةِ تقدَّمَ من الإمَامِ وأبلَغَه بالدَّعْوَة، عندَها وعَدَه الإمامُ بتلْبيةِ الدَّعوةِ. وحضَرَ الإمامُ في مَوْعِدِه، وبعدَ التَّفَرُّغِ من تَنَاولِ الإفْطَارِ، أخبَرَه الرَّجلُ بأنه في السَّنةِ المَاضِيَةِ عندما جَاءَ، كانَت زوجتُه قد نسيت حزْمَةَ نقُودٍ في المَوْضِع نفسه الذي يجلِسُ فيه الآنَ، والذي جلَسَ فيه السَّنةَ المَاضِيَةَ، لكنَّ النُّقُودَ اختَفَتْ. تجَهَّمَ وجهُ الإمامِ والرَّجلُ وزوجتُه يُصَوِّبان أنْظَارَهما إليه، ويتَرقَّبَان ما سيَقُولُ. وبعد قليلٍ رَأيَا دمُوعَاً تنْحَدِرُ من عَينَيه. فأخبرَتْه المرأةُ إذ ذاك بأنَّها سامحَتْه على النُّقُود، ولن تُخبِرَ أحدَاً، ولينْسَ ما سَمِعَ وتنسَ مع زوجِها أمرَ النُّقُودِ، كمَا لو أنَّ شيئاً لمْ يحصُلْ. لكن ذلك لم يُؤَثِّر في الإمامِ الذي لبِثَ وجهه مُتَجَهِّماً، ولبِثَتِ الدُّمُوعُ تنْحَدِرُ من عَينَيه إلى أرْنبَةِ أنفِه. فلم تملِكِ المَرأَةُ نفسَها من سُؤَالِه عنْ سببِ مَا هو؟ فنظَرَ الإمَامُ إلى المصْحَفِ الموْجُودِ في أحدِ أركانِ الغُرْفَة وقالَ بأنَّ ما يُبْكيهِ وما يجعَلُه حَزِيناً، ليسَ أمرَ النُّقُودِ، ولكنْ لأنَّهُما لم يفتَحَا المُصْحَفَ منذُ رمَضَانِ السَّنةِ المَاضِيَةِ وحَتَّى هذا اليومِ. عند ذاك صُعِق الرَّجلَ وزوْجتَه، وغَدَا أحَدُهما ينظُرُ إلى الآخَرِ، فتوجه الرَّجلُ صوْبَ المصْحَفِ، مدَّ يدَه إليه وفتَحَه، وإذا بحزمَةِ النُّقودِ مَوْجودة في بدايةِ المصحَفِ بجانِبِ سُورةِ الفَاتِحَة. أجل مَن يحْرِم نفسَه من قرَاءَةِ القرآنِ يستَحِقُّ أن يُبكَي ويُحْزَن عليه لأنه يكونُ قد حرَمَ نفسَه من خيْراتٍ كثيرةٍ لا يُمكِنُ تعْويْضُها.

قد يعجبك ايضا
تعليقات