القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

أبو سيد الخلق عبد الله بن عبد المطلب

97

 

كتبت _نهال يونس

كان فتى فتيان قريش فتى قريش المدلل بلغة العصر كان معبود النساء وفتى أحلام فتيات قريش ،كانت كل منهن تمني نفسها به ان يكون رجلها ،فقد كان وسيما كأوسم ما يكون الشباب كما كان حييا كأرقى ما يكون الحياء ، وكان هناك نور يشع من وجهه وكانت الفتيات تترقبه فى غدوه ورواحه ويتحدثن عنه فى مجالسهن ،هذا الفتى هو عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم أصغر أبناء عبد المطلب سيد قريش بلا منازع ،فقد كان بنو هاشم اصحاب رئاسة وكانت لهم اخلاق رئاسة ،عُرِفوا بالنبل والكرم والهمة والوفاء والعفة وكانت كل صفة من هذه الصفات لها حادثة تؤكدها وتدلل عليها ولم تكن من بين الكلام المرسل الذي يقال عادة فى المديح فقد كان عبد المطلب وهو الجد الاول للرسول عليه الصلاة والسلام رجلا عظيما مهيبا وسيما كما كان متدينا صادقا وكان اول من حلَّى الكعبة بالذهب من ماله الخاص واسمه الحقيقي شيبة وسمي بذلك تفاؤلا بطول العمر فى اسرة لم يكن طول العمر من خصائصها ولتسميته عبد المطلب قصة لا يتسع المجال لذكرها الان حتى لا نطيل ،كما كان هاشم جد الرسول الثاني هو من اغاث قومه فى عام المجاعة وسمي هاشم لهشمه الثريد للجياع فاسمه الحقيقي عمرو كما كان اول من اسس لرحلتي الشتاء والصيف الى اليمن والى الشام ،نعود للفتي عبد الله الذي كان كأنما جاء الى هذه الدنيا لأداء رسالة معينة ثم الرحيل عنها بعد آداء هذه الرسالة الا وهي انجاب محمد سيد الخلق ، فقد كان لعبد المطلب ولدا واحدا اسمه الحارث وكانت قريش تعيره بقلة الولد فما كان من الرجل الا ان نذر لئن رُزِقَ بعشر من البنين ليذبحنَّ احدهم عند الكعبة ،وقد تم له ذلك ،فجمع اولاده واخبرهم بنذره ثم اجري القرعة بينهم فخرجت القرعة على عبد الله .. وتقبل عبد الله الامر فى صبر وايمان ، كما فعل من قبل جده اسماعيل مع ابيه ابراهيم عليهما السلام ، واخذ عبد المطلب ولده ليفي بنذره ، وهنا اعترضته قريش بشدة وقالت له لئن فعلتها ستكون سنة يسْتَنُّ بها العرب فيذبحوا ابنائهم .. واقترح احدهم ان يلجأوا الى احدي العرافات كما كانت العادة فى ذلك الوقت لتبحث لهم عن مخرج ، وخرجت قريش مع عبد المطلب الى احدي العرافات بالحجاز وانتظرت النساء فى مكة على احر من الجمر حتى يأتيها الرجال بالخبر اليقين ، وسألتهم العرافة كم الدية فيكم؟ فقالو عشرة من الابل ، فقالت قربوا عن ولدكم عشرة من الابل ، ثم زيدوها عشرا كلما أخطأها السهم حتي يخرج السهم على الابل فانحروها فقد رضي ربكم ونجا ولدكم ،وعاد الرجال الى مكة وظلوا يقربون الابل عشرة بعد عشرة وفى كل مرة كانت تخرج القداح على عبد الله حتى بلغت الابل مئة فخرج السهم عليها فهتفت قريش بعبد المطلب لقد رضي ربك ونجا ولدك .. وكان من الممكن ان يركن عبد المطلب الى ما استقر عليه امر السهام ويبادر بذبح الابل ولكن الرجل اصر ان تضرب القداح ثلاث مرات حتى يستوثق من امره وبالفعل ضرب القداح ثلاث مرات وكانت كل مرة تخرج على الابل ، وتم فداء عبد الله بمئة من الابل وكان اكبر فداء عرفته العرب فى كل تاريخها كما تم فداء اسماعيل عليه السلام من قبل بذبح عظيم ولذا كان يقول رسولنا الكريم ” انا ابن الذبيحين ” يقصد اباه عبدالله بن عبد المطلب وجده اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام ، وتم الاحتفال بنجاة عبد الله من الذبح .. وذبحت الابل واكل الناس حتى السباع فى البرية .. على الجانب الآخر كانت هناك ” زهرة قريش ” ، آمنة بنت وهب بن عبد مناف سيد بني زهرة ، فكانت مخبأة من عيون البشر، حتى إنَّ الرواة كانوا لا يعرفون ملامحها .كانت تنتظر مصير عبد الله فى لهف وكانت تترقب الاخبار فى خوف وحيرة .. وما لبث ان جاء عبد المطلب الى وهب طالبا يد امنة لابنه الناجي من الذبح وتم زفاف عبد الله الى أمنة ، ومضى عبد الله ثلاثة ليال زوجا لآمنة ، ثم خرج فى تجارة الى الشام ضمن قافلة من قوافل قريش وقد كان الخروج الذي لا يعقبه عودة فقد مرض عبدالله فى هذه الرحلة ومات ولم يعد مع العائدين ، وكأن دوره فى الحياة قد انتهى بعد ان حملت آمنة بسيد الخلق ،وكأن الله قد نجاه من الذبح لهذا الغرض فقط ، وكأن رحم السيدة آمنة قد خلق لتلقي تلك البذرة الطاهرة وهى بذرة سيد الخلق ،وكأنه ما كان يجب ان يحدث لقاءً جسديا آخر بين عبد الله وآمنة وهذه البذرة الطاهرة لسيد الخلق فى احشائها ،رحل عبد الله وترك آمنة تجتر احزانها وتحمل فى احشائها خير ما حملت النساء فى بطونهن الى ان تقوم الساعة .. حملت النور الي سوف يملأ الدنيا جمالا وبهاءً ،حملت الرحمة المهداة للعالمين ، وما لبثت هي الاخرى ان فارقته بعد ست سنوات من ولادته وكانت قد اصطحبته لزيارة قبر والده عبدالله وفى طريق عودتهما مرضت وماتت ليعود اشرف الخلق الى مكة ليس يتيم الاب فقط وانما يتيم الام ايضا .، خرج مع امه وعاد بدونها ،عاد بصحبة جاريته ام ايمن ، رحل ابوه وهو لم يزل فى عالم الغيب ورحلت امه وهو ابن ست سنوات ليحتضنه بعد ذلك جده عبد المطلب .
عن إبن عباس قال : سألت رسول الله صل الله عليه وسلم فقلت : فداك أبي وأمي ، أين كنت وآدم في الجنة ؟ قال : فتبسم حتى بدت نواجذه ثم قال : كنت في صلبه ، وركب بي السفينة في صلب أبى نوح ، وقذف بي في صلب أبى إبراهيم ، لم يلتق أبواي على سفاح قط ، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسيبة إلى الأرحام الطاهرة صفياً مهذباً ، لا تتشعب شعبتان إلاّ كنت في خيرهما .
وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل شافع، وأوّل مشفع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر

قد يعجبك ايضا
تعليقات