القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

السَّمْحُ الكريمُ

202

عصام علي

تنعكسُ راحة الإنسان النفسية على الآخرين أثناء معاملتهم له، وقد أرجع القرآن – جلَّ من أنزله – سبب ذلك إلى العبادة والقرب من الله – تعالى – فقال – سبحانه – :” سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ” ( سورة الفتح آية 29) فلقد أحدثتْ العبادة داخلهم التوازن النفسي الذي بدا على وجوههم واطمأن له كل من قابلهم، فسبقت بذلك سماحة وجوههم كريم أفعالهم؛ لتبشر الآخر بتعامل مريح لا كدر فيه!

هكذا بدا لي الأستاذ / صلاح بن عبد الرحمن الشهري من أول لقاء لي به في” مدرسة متوسطة المنارات الأهلية بمدينة الدمام السعودية ” حين عملتُ بها معلما للغة العربية وآدابها وهو حينذاك مديرا لها ، لقيني يومها باسما مُستبشرًا ، كأن ذكريات كبيرة تجمعنا من قبل ، فأزال عني وحشة الغربة التي كانت تغمرني كشمسٍ لا تغرب أبدًا ، وجعلني أعد العدة للعمل معه في سعادة بالغة.
لم تمضِ أيام قليلة حتى اجتمع بنا الأستاذ/ صلاح ؛ للتحضير للعام الدراسي الجديد، فتحدث أولا عن طريقته في القيادة ، وما يود أن يجدنا عليه ، ولم يكن في حديثه رهابا ولا متوعدا بل جاء حديثه حلوا عذبا كبستاني أنيق يتعهد زهوره بالإصلاح دون إزعاج ، بدت مرونته واضحة من خلال إتاحته لأعضاء هيئة التدريس بمناقشته في كل ما قال ، وكذلك استماعه لمقترحاتهم ومناقشة كل منا في مقترحه ، ولم يكن يقبل أي مقترح إلا بحجة قوية من صاحبه ؛ حتى يتأكد لدى الجميع سلامة المقترح المأخوذ به!

توالتْ الأيام في سلاسة ؛ نظرا للجو الهادئ الذي أحدثه الأستاذ /صلاح أثناء قيادته للمدرسة ، فله فلسفة خاصة في القيادة ترتكن على قاعدة عظيمة وهي المودة والمحبة بين أفراد العمل الواحد ؛ لذا كان ودودا مع زملائه من أعضاء هيئة التدريس ، فلا يلقى أحدهم إلا مبتسما بسمة وقار وهيبة تجعلنا نكن له تقديرا فوق تقدير ، ولم تكن طبيعته تلك قاصرة على زملائه من أعضاء هيئة التدريس ، بل كانت لطلابه أشد وأكثر ، فلا تجده ينهر طالبا أو يوبخه لفعل لا يليق أحدثه ، بل يعاملهم – جميعا – برفق معاملة الأب الحنون والقائد الرحيم ، ولا أدل على تماهيه مع طلابه حين شاركهم ” دوري المدرسة” الذي أقيم في النصف الثاني من العام ، فكان يتابع معهم كل مبارياتهم ويتدخل أحيانا ليقوم بدور حكم الـ ( var) حين يجد حكم الساحة قد أخطأ في تقدير حكم له ، فما ألينه حينها! وما أقربه إلى الطلاب وقتها!
وهذه المودة والمحبة امتدتْ كذلك للإخوة عمال النظافة بالمدرسة ، وقد كانت مودته لهؤلاء خاصة جدا ، حيث إدراكه التام لضغط عملهم ؛ لذا كان يرأف بهم أكثر من غيرهم ، ويمنحهم الكثير من الوقت على ما يطلبه منهم!

لم تكن تلك السماحة التي تحلى بها الأستاذ /صلاح سبيلا إلى التفريط في عمله ، بل كان ؛ رغم تسامحه عارفا لطبيعة كل واحد ممن حوله وخبيرا جيدا بقدراتهم وإمكانياتهم ، وهذا يدل على معرفته التامة بأقدار الرجال وتوظيفه المناسب لكل إنسان في مكانه الذي يليق به ؛ لذا لم أرَ – أثناء عملي معه – مشكلة وقعت ، بل كانت المدرسة في عهده نموذجا مشرفا للتعليم الأهلي المنضبط.

وقد لمستُ من خلال عملي مع الأستاذ / صلاح حرصه التام على مصلحة الطالب ، وقد تجلى ذلك في أكثر من صورة ومشهد أمامي ، وأعظم تلك المشاهد أنه كان يراجع أوراق إجابة الطلاب بعد الانتهاء من تصحيحها مراجعة دقيقة ؛ ليتأكد أن كل طالب أخذ حقه ومستحقه ، وهذا لا يعني شكه في زملائه المعلمين بل هو من صميم عمله الذي إن لم يقم به لن يكون مطمئنا!

لقد سطر الأستاذ / صلاح بداخلي نموذجا فريدا في القيادة الحقة ، القيادة التي تبني وتعزز الإيجابيات وتحاول تلافي السلبيات ، فلم يكن همه اكتشاف الأخطاء ، بل كان يسعى دوما لالتقاط خيط الصواب ؛ حتى يتمسك به مخاطبه ولا يفارقه!
فهنيئا لمؤسسة تعليمية بها الأستاذ /صلاح الشهري قائدا حكيما وسمحا كريما

قد يعجبك ايضا
تعليقات