القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

معركة موهاكس أكثر المعارك أهمية في تاريخ أوروبا الوسطى

205

 

القاهرية

جرت في ٢٩ أغسطس ١٥٢٦ ، في شهر ذي القعدة عام ٩٣٢ هجرية بالقرب من موهاج مملكة المجر بين القوات المجرية بقيادة الملك لايوش الثاني (لويس الثاني) وقوات الدولة العثمانية بقيادة سليمان القانوني. أدى الانتصار العثماني إلى تقسيم المجر لعدة قرون بين العثمانيين وملكية هابسبورغ وإمارة ترانسيلفانيا. علاوة على ذلك فإن وفاة لايوش الثاني أثناء فراره من المعركة كانت بمثابة نهاية لسلالة ياغيلون في المجر وبوهيميا، والتي انتقلت مطالباتها إلى أسرة هابسبورغ.

بعد وفاة الملك المستبد ماتياس كورفينوس سنة ١٤٩٠٠ لم يشأ الأمراء الهنغار ان يأتيهم ملك آخر مستبد، لذلك نصبوا فلاديسلاف الثاني (حكم 1490-1516) ملك بوهيميا المعروف بالضعف. واشتهر بإسم الملك دوب أو دوبريز في الهجاء الهنغاري (بمعنى “موافق”) لعادته في قبول أي عريضة أو وثيقة توضع أمامه دون نقاش.
فبعد انتخابه قام الملك فلاديسلاف الثاني بإعطاء معظم ممتلكات العرش وحقوقه والإتاوات إلى النبلاء في محاولة لتثبيت حكمه الجديد والحفاظ على شعبيته بين الأمراء. ولكن تلك السياسة المالية وتوزيع الأراضي الساذجة للديوان الملكي جعلت السلطة المركزية تعاني من صعوبات مالية شديدة. فتمكن النبلاء في البرلمان من تخفيض العبء الضريبي عليهم بنسبة 70-80 ٪ على حساب قدرة البلاد على الدفاع عن نفسها.
أصبح فلاديسلاف “الأسير” عاجزًا؛ ولم يستطع اتخاذ قرار دون موافقتهم.
فتمكنت الطبقة الاستقراطية من حل جيش المرتزقة الدائم (الجيش الأسود) لماتياس كورفينوس. وفكك النبلاء أنظمة الإدارة الوطنية والبيروقراطية في جميع أنحاء البلاد. تراجعت دفاعات البلاد في الوقت الذي لم يتقاض فيه حراس الحدود وحاميات القلعة أجورهم، وأصبحت القلاع في حالة سيئة، وتم خنق المبادرات الرامية إلى زيادة الضرائب لتعزيز الدفاعات. تراجع دور المجر دوليا وتزعزع استقرارها السياسي، وتوقف التقدم الاجتماعي. أدى ظهور البروتستانتية المبكر إلى زيادة تدهور العلاقات الداخلية في البلاد.

كان النبلاء الأقوياء مشغولين بقمع الفلاحين وبالشجار مع نظرائهم في البرلمان لدرجة أنهم فشلوا في الاستجابة لدعوات الملك لايوش الثاني ضد العثمانيين.

وواجه الملك فلاديسلاف الثاني الضعيف والطاعن بالسن تمردًا قويا من الفلاحين بقيادة جيورجي دوزا في سنة 15144، فسحقه النبلاء بلا رحمة بقيادة يانوش زابوليا. ولكن بعد تمرد دوزا أضعف القمع الوحشي وحدة امجر السياسية. فلم يعود الهنغاريين شعبًا متحدًا، حيث أدى التدهور الناتج في النظام إلى تمهيد الطريق أمام التدخل العثماني سنة 1526.

تزوج الملك لايوش الثاني ملك المجر من ماري هابسبورغ في سنة 15222. فارتاب العثمانيون من هذا التحالف الذي شكل تهديدًا لقوتهم في البلقان وعملوا على كسره. فبعد وصول سليمان القانوني إلى السلطة، قدم الباب العالي عرضا وربما عرضين للسلام إلى المجريين. ولكن لم يكن من الواضح لماذا رفض لايوش تلك العروض. فربما كان الملك لايوش على علم جيد بوضع المجر (خاصة بعد معركة جالديران والسلام البولندي-العثماني منذ 15255)، فكان يعتقد أن الحرب هو خيار أفضل من السلام حتى في زمن السلم. فقام العثمانيون بمداهمة الأراضي المجرية وغزو أراضي صغيرة (القلاع الحدودية)، لكن المعركة النهائية مازالت تعطي بصيصًا من الأمل. ولتحقيق تلك الغايات تقدمت بعثة عثمانية إلى نهر الدانوب في يونيو 1526.

الأحداث الأوروبية والتحالف العثماني الفرنسي
في 24 فبراير 1525 تعرض الملك فرانسوا الأول ملك فرنسا للهزيمة في معركة بافيا أمام قوات الإمبراطور الروماني المقدس كارلوس الخامس. فبعد عدة أشهر في السجن أُرغم فرانسوا الأول على توقيع معاهدة مدريد. في لحظة فاصلة في الدبلوماسية الأوروبية شكل فرانسوا تحالفًا رسميًا فرنسيًا عثمانيًا مع السلطان سليمان القانوني ليكونّا حلفا ضد كارلوس الخامس. واستمر التحالف الاستراتيجي الفرنسي العثماني وأحيانًا التكتيكي لمدة ثلاثة قرون. لتخفيف ضغط هابسبورج على فرنسا طلب فرانسوا من سليمان شن الحرب على الإمبراطورية الرومانية المقدسة من تركيا إلى وسط أوروبا مرورا بالمجر. تزامن طلب الملك الفرنسي مع طموحات سليمان في أوروبا وأعطاه حافزًا لمهاجمة المجر سنة 1526.

لمواجهة التقدم العثماني هذا، أرسل لايوش دبلوماسييه إلى العواصم الأوروبية طالبا النجدة ولكن نشاطه وقف عند هذا الحد. في حين تحركت الدول الأوربية ضمن دائرة مصالحها، فحث البابا كليمنت السابع ملوك أوروبا لمساعدة المجر، إلا أن لوثر نصح الأمراء البروتستانت أن يلزموا أوطانهم، وبقي كارلوس الخامس عاجزا عن تقديم المساعدة بفعل المشاكل في أوروبا، كما لم يحرك ملك إنجلترا ساكنا.
واجه الهنغار لسبعة عقود التوسع العثماني في جنوب شرق أوروبا، ولكن بدءاً من سنة 1521 تقدم الأتراك على نهر الدانوب واستولوا على ناندرفيرفر (بلغراد في صربيا حاليا) -أقوى حصن هنغاري في نهر الدانوب- وساباكس (شاباتس في صربيا حاليا)، مما ترك معظم جنوب المجر في وضع لايمكن الدفاع عنه.

تسبب فقدان ناندرفيرفر أو بلغراد بوضع شديد الحرج للمجر، فبدا أن الجيش الملكي البالغ قوامه 60 ألف جندي – بقيادة الملك وتم تجنيده متأخرا جدا وببطء للغاية – قد أهمل جلب التموين الكافي معه. لذلك فقد تفكك الجيش تلقائيًا تحت ضغط الجوع والمرض دون أدنى محاولة لاستعادة بلغراد من الحاميات التركية المثبتة حديثًا. وفي سنة 1523 عُيّن رئيس الأساقفة بال توموري قائدا لجنوب المجر. فأجبرته اللامبالاة العامة التي ميزت البلاد على الاعتماد على عائداته الكنسية لإصلاح وتعزيز الخط الثاني لنظام الدفاع الحدودي المجري. وفي 15 يوليو 1526 سقطت بتروفاراد أمام العثمانيين بسبب النقص الشديد في حاميات القلاع. فلم تكن هناك أي بلدة أو قرية أو منطقة مجرية واحدة من أي نوع لمسافة 400 كم على طول نهر الدانوب بين بتروفاراد وبودا.

سار السلطان سليمان من إسطنبول في (11 رجب 932هـ / 23 أبريل 15266م) على رأس جيشه، الذي كان مؤلفًا من نحو مائة ألف جندي، وثلاثمائة مدفع وثمانمائة سفينة حتى بلغ بلغراد، فعبر نهر الطونة (الدانوب) وصل إلى “وادي موهاكس” بعد 128 يومًا من خروج الحملة، قاطعًا 1000 كيلومتر ويقع هذا الوادي الآن جنوبي بلاد المجر على مسافة 185 كم شمال غربي بلغراد و170 كم جنوبي بودابست. وحاصر العثمانيون العديد من المدن (بتروفاراد وأيلوك وأوسييك) وعبروا نهري سافا ودرافا. أما النبلاء الهنغاريون الذين لم يدركوا حجم الخطر الذي يقترب منهم فلم يستجيبوا مباشرة لدعوات الملك للتعبئة العامة. ولكن بالنهاية تجمعوا في ثلاث وحدات رئيسية: جيش ترانسيلفانيا بقيادة جون زابوليا المكلف بحراسة ممرات جبال ترانسيلفانيا الألبية ومعه ما بين 8000 و 13000 رجل. ثم الجيش الرئيسي بقيادة لايوش نفسه (إلى جانب العديد من المرتزقة الإسبان والألمان والتشيك والصرب)، وقوة أصغر أخرى قادها الكونت الكرواتي كريستوف فرانكوبان وعددها حوالي 5000 رجل، بالإضافة إلى أن المساعدة الخارجية الوحيدة كانت كتيبة صغيرة من الجنود البولنديين (1500 جندي وفارس) بقيادة القبطان الملكي لينارت غنويسكي (وكانت منظمة ومجهزة من الدولة البابوية).[17] أما عدد الجيش العثماني فيعتقد أنه 50,000 على الرغم من أن بعض المؤرخين المعاصرين والحديثين قدرت عدد القوات العثمانية بنحو 100,000. وقيل أن معظم قوات البلقان العثمانية المسجلة لهذه المعركة هم من البوسنيين والكروات. نشر العثمانيون أكبر مدفعية ميدان في تلك الحقبة التي ضمت حوالي 300 مدفع، في حين كان لدى الهنغاريين 85 مدفعًا فقط، مع أن هذا العدد كان أكبر من جيوش أوروبا الغربية المعاصرة الأخرى المنتشرة في ساحات القتال.

لم تمكِّن جغرافية المنطقة المجريين من معرفة هدف العثمانيين النهائي إلى ان عبروا جبال البلقان، وعندما فعلوا ذلك كانت بودا أقرب للعثمانيين من القوات الترانسيلفانية والكرواتية. وأشارت السجلات التاريخية على الرغم من تناثرها إلى أن لايوش كان يفضل خطة للتراجع والتنازل عن البلاد أمام التقدم العثماني بدلاً من الالتحام المباشر في معركة مفتوحة مع الجيش العثماني. فارتكب مجلس الحرب الهنغاري -الذي لم ينتظر تعزيزات من كرواتيا وترانسيلفانيا لأيام قليلة فقط – خطأ تكتيكيًا خطيرًا باختيار ساحة المعركة بالقرب من موهاج، وهو سهل مفتوح غير مستوٍ مع بعض البرك والمستنقعات. لم يواجه الجيش العثماني أي صعوبة في تقدمه نحو موهاج. حيث كان لايوش بانتظارهم ليقطع الطريق عليهم إلى بودا.

كانت للجيش المجري الأفضلية في الاستفادة من التضاريس واختيار مناطق الاشتباك مع الجيش العثماني. ولديهم أيضا ميزة أن قواتهم كانت في وضع جيد على عكس الجيش العثماني الذي أكمل توا مسيرة طويلة وشاقة في حرارة الصيف الحارقة. ولكن بدلاً من مهاجمة العدو المتعب على الفور، ترك المجريون العثمانيون أن يكافحوا للمرور عبر التضاريس المستنقعية. كان من “غير المتكافئ” مهاجمة العدو عندما لم يكونوا مستعدين للمعركة بعد.
بتبع في التقرير التالي

قد يعجبك ايضا
تعليقات