القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

السَّاحِرَة

78

بقلم د _ عيد علي

اسْتَيْقَظَت فَجْر يَوْمِ مِنْ الْأَيَّامِ وَكَمَا هُوَ مُعْتَادٌ ذَهَبْتُ إِلَى مَكْتَبِي تَنَاوَلَت قهوتي وَأُخذَت أَرْشف مِنْهُ وَمَعَ أَوَّل نَهْلَة اتَّصَلَت بِي صَدِيقِة تُدْعَى برلنتي تَعْمَل بمصنعي الْكَائِن بِمَدِينَة السَّادِسِ مِنْ أُكْتُوبَر طَالَبَة مِنِّي تَوْفِير عَمَلًا لِصَدِيقِة لَهَا وَأُرْسلَت لِي السِّيرَة الذَّاتِيَّة لَهَا ووافقت مبدأيا طَالِبًا مِنْهَا اِصْطِحابٌ صديقتها لمكتبي بَعْدَ يَوْمَيْنِ .

ثُمّ تَفَقَّدْت الْعَمَل بالمصنع كَالْمُعْتَاد
وامضيت يُومِئ مَا بَيْنَ الْعَمَلِ وَمُمَارَسَة الرِّيَاضَة بالنادي وَالسَّمَر مَع أَصْدِقَائِي حَتَّى جَاءَتِ برلنتي برفقة صديقتها تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء وَمَضَى الْوَقْتُ سَرِيعًا واجتازت الْمُقَابَلَة الشَّخْصِيَّة وَتَمّ إِسْنَاد عَمِل إِدَارِيٌّ لَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ تَحتَ الاخْتِبَارِ “ولكنها ترِكَت فِي نَفْسِي شَيْئًا لَمْ أَفْهَمْهُ فِي حينه”
وَمَرَّت أَيَّام وأسابيع وَقَبْل نِهَايَة فَتْرَة الِاختِبَار أبهرت الْجَمِيع بِحُسْن إدْرَاكِهَا لِصَغَائِر الْأُمُور وَكَبِيرهَا حَتَّى أَصْبَحْت تستشار مِنْ جَمِيعِ الْمُهَنْدِسِين وَالْعُمَّال بالمصنع خِلَال هَذِهِ الْفَتْرَةِ الْوَجِيزَة .

وَمَرَّت الثَّلَاث أَشْهُر وَتَمّ تَوْقِيع عَقْد عَمَل لَهَا وَإِسْنَاد إدَارَة التَّخْطِيط وَالْمُتَابَعَة لَهَا وَكَانَ مكتبها فِي نِهَايَةِ الطَّابَق الثَّانِي مُبَاشِرًا لمكتبي .
كَانَتْ تَعْمَلُ فِي صمت وتخطط وَتَوَجَّه وَأَنَا أتابع مِنْ بَعِيدٍ كَمَا هُوَ مُعْتَادٌ مع الْمُهَنْدِسِين الْجُدُد إلَّا أَنَّنِي مَا رَأَيْتَهَا يَوْمًا إلَّا وانتابني نَفْس الشُّعُور الْغَامِض الَّذِي لَا أَدْرِي مَا هُوَ كَانَتْ نَشْوه تَغْمُر صَدْرِي كُلَّمَا حَدَّثَتْنِي أَو رَأَيْتهَا تدلف دَرَجَات السَّلَمِ أَوْ تَرَسَّم إحْدَى مشاريعها أَو تخطط لَهَا نَعَمْ حَيَّرَة تَتْبَعُهَا حَيَّرَة يَتْبَعُهَا اسْتِفْهَامٌ يَتْبَعُهَا قَلِق مَا هَذَا الشُّعُور وَمَا هَذَا الَّذِي يُلاَمِس شَغف قَلْبِيٌّ لَا أَدْرِي هَلْ جذبني جَمَالهَا أَم سحرتني رِقَّتهَا أَم احتواني عَقْلهَا أَمْ مَاذَا وَكَثُرَت التساؤلات وذاد الِانْشِغَال وَبَدَأ الصِّرَاع وَلَم كُلُّ هَذَا ؟
بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ زَاد الإِنْتاج بالمصنع وَكَثُرَت عُرُوض المشتريات مِنْ التُّجَّارِ وَزَاد الرِّبْح وَالْخَيْر عَلَى يَدَيْهَا .
هَلْ هِيَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَى ؟
هَلْ هِيَ مَنَحَه وَهَبَهَا اللَّهُ إلَى ؟
مَنْ أَنْتَ ؟ وَلِمَاذَا تأخرتي ؟
تَرَكْت حَيْرَتِي واستفساراتي لَعَلّ الزَّمَن عِنْدَه إجَابَة لَهَا وَسَافَرْت إلَى إحدى البِلاد العَرَبِيَّة طَالِبًا الاِسْتِجْمَام وَالرَّاحَة وَالْبُعْدِ عَنْ ضَغُوط الْعَمَل لِمُدَّة أُسْبُوعَيْن
وَأَنَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الرحلات اعْتَدَّت عزِل نَفْسِي عَنْ الْعَالِم أَجْمَع وَلَكِنْ مَا حَدَثَ فِي هَذِهِ الرِّحْلَة كَانَ غَرِيبًا عَجِيبًا أَرَانِي افْتَح هاتِفِي فَجْرًا وأتواصل مَعَهَا وَيَدُور الْحَدِيثَ كُلَّهُ عَنْ العَمَلِ لَمْ نتطرق إطْلَاقًا لشيئ غَيْر الْعَمَلِ وَيَأْتِي الْمَسَاء وينبض خَلْف ضُلُوعِي قَلْب حَائِرٌ ومشاعر فِي وِجْدَانِيٌّ مستعرة وتبدأ رَحْلِة الاستفهامات مَا هَذَا ؟ وَلِمَاذَا ؟ وَكَيْف ؟ وَهَل ؟
قُلْت إنَّ غُرْبَتي هِي دَوائِي فَكَان عَبَثٌ مِنِّي فِي الْبِلَادِ طَوَافِي .
الْآن أَدْرَكْت أَنَّهَا سَاحِرَةٌ وَأَيّ سَاحِرَةٌ كَلًّا إنَّهَا الأَمِيرَة السَّاحِرَة تَرَبَّعَت عَلَى عَرْشِ قَلْبِي وَلَكِن السُّؤَال الْآن أَنَا أَيْقَنْت إيقانا تَامًّا أَنَّه الْحَبّ وَلَكِن أَيْ حَبٍّ هَذَا ؟ وَهَل لِمِثْلِي أَن يَسْحَر بِهَذا الشَّكْلِ ؟
وَمَاذَا هِي ؟
إنَّهَا لَمْ تَنْظُرْ نَظْرَة وَاحِدَة فِي عَيْنِي ؛ إنهَا لَمْ تَلَفَّظ لَفْظًا وَاحدًا يُوحِي بشئ مِمَّا أَشْعَرَ بِهِ ؛ إن عَالِمَهَا غَيْر عَالَمَي وَحَيَاتُهَا غَيْر حَيَاتِي وإحساسها غَيْر إحساسي
مَا الَّذِي أَنَا فِيهِ وَمنْ أَوْجدْنِي فِيه وَكَيْف غوصت فِيه وَمَاذَا لَوْ كَانَتْ لَا تَشْعُرُ بِي كَيْف الْعَمَل الْآن كَيْف أَعْرِف مِنْهَا شُعُورُهَا .
هَل أَسْتَعِين ببرلنتي صديقتنا الْمُشْتَرَكَة ؟ هَل أغامر وَاسْتُوْضِح مِنْهَا حَقِيقَةً مشاعرها ؟ كُلًّا . لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ رُبَّمَا اضعتها وَمِثْلُهَا قَلَّمَا نَجْدَه مَرَّةً فِي حَيَاتِنَا .

إلَى اللِّقَاء مَع الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ السَّاحِرَة .

قد يعجبك ايضا
تعليقات