القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

بينَ زهدِ أبي موسى وطمعِ معاويةَ

119

 

كتب/ حمادة توفيق.

ثمةَ حديثٌ عظيمٌ رائعٌ جليلُ المعنى عظيمُ القدرِ، وردَ عن أبي موسى الأشعريِّ – رضي الله عنه – وقد رواه عنه ابنه، يلخِّصُ – بإيجازٍ شديدٍ – البونَ الشاسعَ بين طلابِ الدنيا وطلابِ الآخرةِ.

فكلنا نعلمُ أن معاويةَ بن أبي سفيانَ رضي الله عنه هو أولُ من سنَّ الملكَ العضوضَ وألغى الخلافةَ، بعدما كان ما بينه وبين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – بدومةِ الجندلِ، إذا لبسَ ثوبَ الثائرِ لعثمانَ – رضي الله عنه -، الساعي للقصاصِ ممن قتلوهُ ظاهريًا، بينما كان في الحقيقةِ طالبًا للملكِ منازعًا لعليٍّ – رضي الله عنه – فيهِ.

وتَزعُّمُهُ للسادةِ الأكابرِ الذين خرجوا يوم الجملِ مطالبينَ بدمِ عثمانَ، لم يكن إلا لهذا الغرض.

المهمُّ، أن الحديثَ يلخصُ الفرقَ الكبيرَ بين أهلِ الدنيا وأهلِ الآخرةِ، والبونَ البعيدَ بين أبي موسى الأشعريِّ – الصوَّامِ القوَّامِ الزاهدِ في الدنيا الراغبِ في الجنةِ – وبين معاويةَ الذي نالَ الملكَ وورَّثَهُ لابنهِ يزيدَ، ففتحَ على الأمةِ بابَ خرابٍ ودمارٍ لا زالَ مفتوحًا حتى اليومِ.

عن أبي بردةَ – ابن أبي موسى الأشعريِّ – عن أبي موسى (رضي اللهُ عنه): أن معاويةَ كتبَ إليهِ، أما بعدُ، فإن عمرو بن العاصِ قد بايعني على ما أُريدُ، وأقسمُ باللهِ، لئن بايعتني على الذي بايعني، لأستعملنَّ أحدَ ابنيكَ على الكوفةِ، والآخر على البصرةِ (وكانا تحت حكم عليٍّ رضي الله عنه)، ولا يُغلقُ دونك بابٌ، ولا تُقضَ دونك حاجةٌ، وقد كتبتُ لكَ بخطِّ يدي، فاكتبْ إليَّ بخطِّ يدكَ، فكتبَ إليهِ (أبو موسى): أما بعدُ، فإنكَ كتبتَ إليَّ في جسيمِ أمرِ هذهِ الأمةِ، فماذا أقولُ لربي إذا قدمتُ عليه؟ ليس لي فيما عرضتَّ من حاجةٍ والسلامُ عليكَ).

يا الله! ما أروعَ أبا موسى وما أورعه!

الحقيقةُ أن الذهبيَّ علَّقَ على هذهِ المراسلةِ فقالَ: (قلت: كان أبو موسى صوّامًا قوَّامًا زاهدًا عابدًا، ممن جمعَ العلمَ والعملَ والجهادَ وسلامةَ الصدرِ، لم تُغيِّرهُ الإمارةُ، ولا اغترَّ بالدنيا).

اللهمَّ ارضَ عن أبي موسى الأشعريِّ وعن سائرِ الصحابةِ الكرامِ، واغفر لمعاويةَ وعمرو يا أرحمَ الراحمين.

قد يعجبك ايضا
تعليقات