القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الملحمة

107
كتب/ حمادة توفيق.
عن الأوزاعيِّ عن حسان بن عطية قال: مال مكحول وابن أبي زكريا إلى خالد بن معدان، وملت معهم، فحدثنا عن جبير بن نفير عن الهدنة، قال: قال جبير: انطلق بنا إلى ذي مِخبَر، رجلٍ من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيناه، فسأله جبيرُ عن الهدنة، فقال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” ستصالحون الرومَ صلحاً آمناً، فتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم، فتنصرون وتغنمون وتسلمون، ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرجٍ ذي تلول، فيرفعُ رجلٌ من أهلِ النصرانيةِ الصليبَ فيقول: غلبَ الصليبُ، فيغضبُ رجلٌ من المسلمين فيدقُّه، فعند ذلك تغدرُ الرومُ، وتجمعُ للملحمة، وزاد بعضهم: فيثورُ المسلمون إلى أسلحتهم، فيقتتلون، فيكرمُ اللهُ تلكَ العصبةَ بالشهادة “.
والملحمة معركة كبيرة هائلة تقع بين المسلمين والصليبيين، وسببها هو السبب الذي أشار إليه الحديث السابق، وقد جاءَ أكثرُ من حديثٍ يصفُ هذه المعركةَ وهولَها، وكيف يكون صبر المسلمين فيها، ثم يكون النصر لهم على أعدائهم، ويُلاحظُ أنه يكون في صفوف المسلمين أعدادٌ كبيرةٌ من النصارى، الذين أسلموا وحسُنَ إسلامهم.
ففي صحيحِ مسلمٍ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
” لا تقومُ الساعةُ حتى ينزلَ الرومُ بالأعماقِ أو بدابق، فيخرجُ لهم جيشٌ من المدينة، من خيارِ أهلِ الأرضِ يومئذ، فإذا تصافَّوا قالت الرومُ: خلوا بيننا وبين الذين سُبُوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا، والله لا نُخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فيُهزمُ ثُلثٌ لا يتوبُ اللهُ عليهم أبداً، ويُقتلُ ثُلثٌ أفضلُ الشهداءِ عند الله، ويفتتحُ الثُلثُ لا يُفتنونَ أبداً، فيفتتحونَ قسطنطينية، فبينما هم يقتسمونَ الغنائمَ، قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاحَ فيهم الشيطانُ إن المسيحَ قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون وذلك باطلٌ، فإذا جاؤوا الشامَ خرج، فبينما هم يعدون للقتالِ، يسوون الصفوفَ، إذ أقيمت الصلاة، فينزلُ عيسى ابنُ مريمَ عليه السلام فأمَّهم، فإذا رآه عدوُّ اللهِ ذابَ كما يذوبُ الملحُ في الماء، فلو تركه لانذابَ حتى يهلك، ولكن يقتله اللهُ بيده، فيريهم دمه في حربته “.
وقد حدثنا الرسولُ صلى الله عليه وسلم في حديث آخر عن هول تلك المعركة، وعن الفدائية التي تكون في صفوف المسلمين، حتى أن مجموعاتٍ من المسلمينَ يتبايعون على القتالِ حتى النصر أو الموتِ ثلاثةَ أيامٍ متوالية، ويبدو أن أعدادَ المسلمينَ في تلك الأيامِ قليلة، بدليلِ أن المسلمين ينتصرون عندما يصلهم المددُ من بقيةِ أهلِ الإسلام.
ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال:
” إن الساعةَ لا تقومُ حتى لا يُقَسَمَ ميراثٌ ولا يُفرحَ بغنيمة “ ثم قال بيده هكذا، ونحَّاها نحو الشام، فقال: ” عدوٌ يجمعونَ لأهلِ الإسلام، ويجمعُ لهم أهلُ الإسلام، قلت: الرومَ تعني؟ قال: نعم، وتكون عند ذاكم القتالِ ردةٌ شديدةٌ، فيشترطُ المسلمونَ شُرطةً للموتِ لا ترجعُ إلا غالبةً، فيقتتلون حتى يحجزَ بينهم الليلُ، فيفيءُ هؤلاء وهؤلاء كلٌّ غيرُ غالبٍ، وتفنى الشرطة، ثم يشترطُ المسلمون شرطةً للموت لا ترجعُ إلا غالبة، فيقتتلون حتى يُمسوا، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كلٌّ غير غالب وتفنى الشرطة، فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام، فيجعلُ الله الدبرةَ عليهم، فيقتتلون مقتلةً، – إما قال: لا يُرى مثلها، وإما قال: لم يُرَ مثلها -، حتى إن الطائرَ ليمرُّ بجنباتهم، فما يخلفهم حتى يخرَّ ميّتاً، فيتعادُّ بنو الأبِ، كانوا مائةً، فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجلُ الواحد، فبأيِّ غنيمةٍ يُفرحُ؟ أو أيِّ ميراثٍ يُقاسم؟ فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأسٍ هو أكبرُ من ذلك، فجاءهم الصريخُ: إن الدجالَ قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم ويُقبلون، فيبعثون عشرةَ فوارسَ طليعةً، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرفُ أسماءهم وأسماءَ آبائهم، وألوانَ خيولهم، هم خيرُ فوارسَ على ظهرِ الأرضِ يومئذ، أو من خيرِ فوارسَ على ظهرِ الأرضِ يومئذ “.
والظاهر من حديث الملحمة أن المسلمين وقتها سيكونون على قدر كبير من القوة والبأس، حيث إنهم يغزون وينصرون ويغنمون ويعودون سالمين، وواقعنا اليوم والله أعلم يُبعدُ أن تكونَ المعركةُ وشيكةً، طبقاً للأسبابِ العادية، ﴿إلا أن يشاءَ ربي شيئاً وسعَ ربي كلَّ شيءٍ علماً﴾ سورة الأنعام.
والواجبُ لمواجهة وتغيير هذا الواقع الأخذ بأسباب القوة والتمكين، وليس الهروبَ إلى سرابِ الأماني، والقعودَ عن العملِ، بحجة أنه واقعٌ تسبب فيه من قبلنا وسيصلحه من بعدنا.
قد يعجبك ايضا
تعليقات