تأويل قول النبي صلي الله عليه وسلم:اذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث. وانعكاساته علي الواقع المعيش، ضمن مشروعي الحضاري التأويل والتجديد.
بقلم الأستاذ الدكتور _ عادل خلف القليعي
أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.
لم يكن في حسباني هذا المقال اليوم وانما كنت انتوي كتابة مقالا عن كيف ننتقل من الأمية إلي العالمية بعد مشاركتي في ندوة رائعة حضرتها بالكلية العام الماضي ، ولا تزال فكرة الموضوع تحت ناظري .
وكان لي غرض آخر هو الرد علي بعض أحبائي وأصدقائي الذين يرون أنه ليس ثم علاقة بين التخلص من الأمية ومن ثم ننطلق إلي المواكبة والعالمية.
فكيف لأمة أن تتقدم وهي تعيش أمية ليست أمية قراءة وكتابة فقط، وانما لابد من محو للأمية علي كافة المستويات الثقافية، الإجتماعية، الإقتصادية، السياسية، الدينية.
بعدها أسأل عن التقدم والمواكبة والمسايرة والمعاصرة.
ولكنها إرادة الله الخيرة قادتني إلي الحديث عن أمر آخر فقد استيقظت هذا الصباح علي سماع خبر وفاة والد أحد أصدقائي،وهذا الرجل كان صديقا حميما لوالدي رحمهما الله وأشهد الله أن هذا الرجل كان صالحا ما رأيته مرة إلا وهو بشوش الوجه مبتسما،واحسن الله خاتمته فمات صباح الجمعة وهذه مكرمة من الله للحديث الخاص بالوقاية من فتنة القبر وغفران الذنوب ،غفر الله له ولجميع موتي المسلمين.
نحن بصدد الحديث عن إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث،ثلاث أمور تجعل عمل هذا الإنسان موصول حتي بعد أن يمت أولها:صدقة جارية،ومصارف الصدقات كثيرة كأن يتبرع له اولاده بجزء من ثروته التي تركها في مصارف الخير والمشاريع الخيرية ككفالة الأيتام أو المشاركة في انشاء مسجد أو رعاية الأرامل أو المشاركة في بنا ءمشفي وخلافه من المشاريع التي تحتاج إلي اموال كثيرة.
واذا لم يكن لديه ثروة فيخرج أولاده ولو بالقدر اليسير محتسبين ذلك عند الله صدقة علي روح والدهم أو والدتهم أو أهل الفضل عليهم.
وثانيها:علم ينتفع به ، وانما صدقة العلم النافع الذي يفيد صاحبه كأن يربي اجيالا تذكره بالخير حال موته وتدعوا له بالرحمة سواء كان هذا العلم دنيوي يخدم البشرية كعلوم الفلك والجغرافيا وعلم النفس والطب واكتشاف العديد من الامراض الفتاكة وتشخيصها ووضع العلاج الناجع لها وكذلك الصيدلة وتحضير الادوية واستخلاصها من الاعشاب .
فنحن الآن نترحم كثيرا علي علماء أجلاء أفادوا الإنسانية وبرعوا في العديد من العلوم ألم نترحم علي د.زويل عالم الفيزياء الفذ وغيره كثر في كافة المجالات.
ألم نترحم علي ابن رشد صاحب الكليات في الطب وابن سينا صاحب كتاب القانون وابن النفيس والزهراوي الجراح البارز في بلاد الأندلس والحسن بن الهيثم صاحب المؤلفات المعتبرة في الضوء ،أليسوا هؤلاء جديرون بالدعاء لهم والاستشفاع لهم بعلمهم الذي افدنا منه جميعا .
وحتي نحن نسأل الله العظيم أن يذكرنا طلابنا بالخير بعد أن نلقاه تعالي ويجعل ما نقدمه اليوم في موازين حسناتنا حسبة لله تعالي عملا بقول الله تعالي (ولاتنسوا الفضل بينكم).
ثالثها:ولد صالح يدعوا له،ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ،فالابن الذي تقر به عينك هو الذي تتوسم فيه الخير والفلاح والإصلاح هو الذي تربيه تربية اسلامية صحيحة تجعلك تفارق الحياة وأنت مطمئن أن سيستمر نسلك وسلسالك علي طاعة الله تعالي مقتفين أثرك سائرين علي نهجك.
هذا الولد هو الذي سيدعوا لك حال موتك وهو الذي سيقف علي غسلك ويدعوا لك علي قبرك ويحملك علي كتفه ويسكب العبرات من عينيه حزنا وألما علي فراقك وهو الذي سيزورك ويدعوا لك (رب اغفر لي ولوالدي)،هو الذي سيدعوا لك بالرحمة(وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)هو الذي يقدم لك الهدايا(الدعاء)حينما تجتمع أرواح الأموات ليلة كل جمعة تنتظر الرحمات .
فهل وهي أحوج ما تكون الي الدعاء كل واحد ينتظر هديته من ولده ،ولدك الذي سيدعوا لك ويلح في الدعاء والتضرع إلي الله أن يكرم نزلك ويوسع مدخلك ويغسلك بالثلج والماء والبرد،ولدك الذي سيذهب الي قبرك يرعاه وينظفه ويضع زرع الصبار ويرويه بالماء ويذهب بالصدقات ويوزعها رحمة عليك.
اللهم بارك لنا في أبنائنا واجعلهم قرة اعين لنا،جزاكم الله خيرا ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يحسن عاقبتنا في الامور كلها.