القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

السرقة والمال العام “الجزء الأول”

85

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

إن المال نعمة جليلة أنعم الله بها على عباده لتقسيم به شؤون حياتهم ومعاشهم، فهو أحد ركني زينة الحياة الدنيا، فالمال عصب الحياة الإنسانية، به يؤدى الإنسان رسالته، وبه يقضى حاجاته، ولا يمكن أن يعيش المرء عيشة كريمة بدونه، لأنه من خلاله يستطيع الإنسان أن يحقق الخير لنفسه ولمجتمعه، ومن هنا تحدث القرآن الكريم عن المال وأهميته فوصفه بأنه خير جبل الإنسان على حبه فقال تعالى “وإنه لحب الخير لشديد” ومع أن المال اكتسب هذه الأهمية إلا أن الإسلام جعله وسيلة لا غاية، وسيله للبر والصلة والتكافل بين المسلمين، وسيلة للصلاح والإصلاح، وسيله لدعم قضايا الوطن، فالمال وسيلة إذا استخدم في الصلاح كان نعمة. 

وأن المال إما أن يكون عاما أو خاصا، فالمال العام هو ما تملكه الشعوب من الأعيان والمنافع مما لا يقع تحت ملكية فردية، والمال العام ركيزة الأمم به تدير شؤونها وتقيم مؤسساتها وتحفظ أرضها وتقدم خدماتها وترتقي بأفرادها، وتسهم من خلاله في بناء الحضارة الإنسانية، وبه تطعم جائع وتكسو عاري وتداوي مريض وتعلم جاهل، وتنشر الخير والأمن والاستقرار في جنباتها، ولأهمية المال العام جعل الإسلام حفظه مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء التي عنيت بتنظيم حركته في المجتمع، ولم تترك طريقا يحفظ موارده، ويصون حرمته إلا سلكته مثل حماية المال الخاص، بل إن حرمة المال العام أشد من حرمة المال الخاص، لكثرة الحقوق المتعلقة به. 

وتعدد الذمم المالكة له، ولذلك حذر الإسلام من إتلافه أو سرقته أو الإضرار به، وأن الشريعة الإسلامية من الأحكام والمبادئ التي تكفل حماية المال والحفاظ عليه وتنميته وتحريم الاعتداء عليه، وطلبت من الفرد حماية ماله حتى ولو استشهد في سبيله، فالمال العام ملك الناس جميعا، وليس ملكا لفئة معينة منهم، والقائمون عليه إنما أمناء في حفظه وتحصيله وصرفه لأهله، فلا يحل لأحد أن يعتدي عليه، أو يأخذ منه ما لا يستحق، لأن ذلك يعد خيانة وظلما واعتداء على الناس جميعا، ولقد تربى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الحفاظ على المال العام ومراعاة حرمته، وكما أمر الإسلام بضرورة المحافظة على الأموال العامة، حذر أشد التحذير من الاعتداء عليها. 

أو تضييعها أو إفسادها بأي من صورة من الصور، فقد رأينا صورا عديدة للاعتداء على المال العام ومنها، الاعتداء على المرافق العامة، كالطرق العامة، أو المدارس، أو المستشفيات، أو وسائل المواصلات، أو شبكات المياه، أو الكهرباء أو الصرف الصحي، وغير ذلك فكلها مرافق عامة، فالواجب علينا المحافظة عليها وحمايتها والعمل على تنميتها وتطويرها، لأنها ليست لفرد دون جماعة، ولا لجماعة دون جماعة، بل هي لنا جميعا وللأجيال القادمة، ويعتبر الاعتداء عليها اعتداء على مجموع الأفراد والمجتمع لأن الذي يسرق المال العام يسرق الأمة كلها، وعليه إثم كل من له حق فيه فسرقته أعظم جرما من سرقة المال الخاص، ومنها عدم الوفاء بحق الخدمات العامة.

كالكهرباء، أو الماء، أو الغاز ونحو ذلك، أو التلاعب في عداداتها، أو الامتناع عن سداد فواتيرها المستحقة، فمن يفعل ذلك هو آكل للسحت، مخل بالعقود التي أمر الله سبحانه وتعالى الوفاء بها، ومنها الاعتداء على أملاك الدولة استيلاء أو إفسادا أو إضاعة أو تقصيرا، فيما كلف به الإنسان الحفاظ عليها، وهكذا يحذر الإسلام أتباعه الاعتداء على المال العام بأي وسيلة كانت، ويحثهم على العمل على حفظه وصيانته من الفساد، حتى يؤدى المال دوره باعتباره قيمة لا غني عنها في حفظ نظام الحياة الإنسانية، فمن خالف ذلك فهو داخل في وعيد ربه، وأن المال العام أمانة عند كل فرد من أفراد المجتمع سواء أكان مسؤولا عنه أم مستخدما له، فيجب عليه أن يحافظ على تلك الأمانة

قد يعجبك ايضا
تعليقات