القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

ملامحُ المستقبلِ الحلقة الأولى

85

كتب/ حمادة توفيق
كانَ الهمُّ الجاثمُ على قلوبِ الناسِ بوجهٍ عامٍّ والعلماءِ على وجهِ التحديدِ هو الخرابُ المتوقَّعُ والمنتظرُ الذي يتهددُ الأرضَ نتيجةَ امتلاكِ البشريةِ لأسلحةٍ نوويةٍ مُدمرةٍ، وما حدثَ في القرنِ المنصرمِ – من دمارٍ وبوارٍ أهلكا هيروشيما وناجزاكي فأحرقا الأخضرَ واليابسَ – لا يخفى على أحدٍ، بل إنّ ما جرى على مرأىً ومسمعٍ من العالمِ كلهِ آنذاكَ لم يكن إلا عينةً بسيطةً تكاد لا تُذكرُ مما يُمكنُ أن تُحدثهُ أسلحةُ الدمارِ الشاملِ التي وصلت إليها البشريةُ من خرابٍ.
ولعلَّ معركة هرمجدون التي يتحدثُ عنها الغربُ والتي باتت حسبَ معتقدهمْ قريبةً وشيكةَ الوقوعِ، قد ارتبطتْ هي أيضًا بالحربِ النوويةِ الشاملةِ التي ستُفني كلَّ شيءٍ وتُعيدُ الكوكبَ إلى الماضي السحيقِ، وهذا ما ألمحَ إليهِ ديننا من أنّ الأشكالَ البدائيةَ الأولى للحربِ ستعودُ في المستقبلِ كالسيوفِ والخيولِ وغيرها، وهذا إذا وقعَ سيكونُ بسببِ ما آلتْ إليهِ البشريةُ من تقدمٍ مذهلٍ في تكنولوجيا الحروبِ، والذي سيكونُ هو نفسهُ سببًا في خرابِ العمرانِ وإهلاكِ البشريةِ وإعادةِ الأرضِ ملايينَ السنينِ إلى الوراءِ كما يتوقعُ العلماءُ.
وها هي الدولُ العظمى تسعى إلا امتلاكِ الأسلحةِ النوويةِ بكل طاقتِها وتجتهدُ في تأمينِ نفسها من خلالها وكأنها لا تعلمُ أنها بذلكَ تمتلكُ ما يمكنُ أن يتسببَ في إفناءِ الكونِ وإهلاكِ البشرِ، وهذه للأسفِ ضريبةُ التقدمِ العلميِّ المُذهلِ الذي أصبحنا فيه.
ونتيجةً لكلِّ ذلكَ انبرى العلماءُ طيلةَ سنواتٍ فاتتْ يبحثونَ عن حلٍّ ناجعٍ نافعٍ بإمكانهِ أن يؤمنَ للبشريةِ دربَ نجاةٍ من الهلاكِ المنتظرِ، وفي خضمِّ ذلك ظهرتْ أنفاقُ الأمانِ من الانفجاراتِ النوويةِ في أكثرِ من دولةٍ مثل سويسرا وغيرها، بيدَ أن علماءَ الفضاءِ في ناسا وغيرها كانوا على مدارِ سنواتٍ فاتتْ يِفكرونَ في حلولٍ أكثرَ عبقريةً وتميزًا، حلولٍ تمثلتْ في تركِ الكوكبِ بالكليةِ والتفكيرِ في استعمارِ الفضاءِ.
في الحقيقةِ شغلَ كوكبُ المريخِ – أو الكوكبُ الأحمرُ – عقولَ العلماءِ لما يتميزُ بهِ من خصائصَ قد تُمكِنُهُ من أن يكونَ مكانًا لمستعمراتٍ بشريةٍ مستقبليةٍ تؤمنُ للبشرِ سبيلَ نجاةٍ وحمايةٍ من الخطرِ النوويِّ الجاثمِ على قلوبهمْ.
ولقد أشارت البياناتُ التي جمعَها العلماءُ خلالَ العامِ 2018 م إلى وجودِ بحيرةٍ تحت سطحِ المريخِ، ويبلغُ عرضُها 20 كيلومترًا وعمقها 1.5 كيلومترًا، وأثارَ هذا الاكتشافُ جدلًا واسعًا بين المجتمعِ العلميِّ، إذ شكَّكَ بعضُ العلماءِ في النتائجِ.
وأصدرَ الباحثونَ المشرفونَ على البحثِ بياناتٍ جديدةً أواخرَ العامِ الماضي ونشروها في مجلةِ نيتشر أسترونومي، ولم تؤكد هذه البياناتُ الاكتشافَ السابقَ فحسبُ، بل كشفتْ أيضًا عن وجودِ بحيرتينِ جديدتينِ.
الماءُ عنصرٌ أساسيٌّ للحياةِ التي نعرفُها، ما يشيرُ إلى أن البحيراتِ الموجودةَ منذ ملياراتِ السنينِ على سطحِ كوكبِ المريخِ قد تكونُ موطنًا للكائناتِ الحيةِ، لكن واقعيًا يستحيلُ ذلك بسببِ ضغطهِ الجويِّ المنخفضِ، ويُظَنُّ بأن البحيراتِ على سطحِ المريخِ – على الرغمِ من تسميتِها بهذا الاسمِ – شديدةُ الملوحةِ، ما يُصعِّبُ العثورَ على حياةٍ بالقربِ منها على غرارِ بحيراتِ القارةِ القطبيةِ الجنوبيةِ التي تقعُ تحتَ الجليدِ، لكن مع ذلك فالاحتمالُ قائمٌ لإمكانيةِ العيشِ هناكَ.
ماذا يعني هذا للحياةِ على المريخِ؟
يحتاجُ العلماءُ إلى إجراءِ مزيدٍ من الأبحاثِ لتأكيدِ أهميةِ النتائجِ الجديدةِ، وقد يكونُ اكتشافُ البحيراتِ دليلًا محتملاً على قابليةِ الحياةِ على المريخِ، ما يعززُ مصداقيةَ الذين يخططونَ لاستعمارِ المريخِ في المستقبلِ مثل إيلون ماسك الذي يريدُ توفيرَ مأوىً لمليونِ شخصٍ على سطحِ المريخِ خلال من 40 إلى 100 عامٍ مقبلةٍ، وفي الواقعِ، فإن الشبهَ بين سطحِ المريخِ وكوكبِ الأرضِ أكبرُ من أيِّ كوكبٍ آخرَ، ما يجعلُهُ موطنًا محتملًا للمستعمراتِ البشريةِ المستقبليةِ.
تبدو خطةُ ماسك طموحةً جدًا أو غيرَ واقعيةٍ للكثيرينَ، فعلى البشرِ التغلبُ على العديدِ من التحدياتِ والقيودِ قبل نجاحِ السفرِ إلى المريخِ، فهو كوكبٌ لا يصلحُ للعيشِ حاليًا بسببِ عدمِ تمتعهِ بغلافٍ جويٍّ كافٍ، ولذلك فإن أيَّ هبوطٍ بشريٍّ على المريخِ اليومَ سيكونُ مميتًا بسببِ الإشعاعاتِ القاتلةِ وخطرِ التجمدِ حتى الموتِ والاختناقِ بسببِ ثاني أكسيدِ الكربونِ في هوائهِ.
يظنُّ العلماءُ والمخططونَ لاستعمارَ المريخِ أنه بإمكانِ البشرِ العيشُ في بيئةِ المريخِ القاسيةِ إن استُخدِمتْ التقنياتُ المناسبةُ، ولابد وقتها من ارتداءِ البدلاتِ الفضائيةِ فالعواصفُ الترابيةُ تحدثُ بانتظامٍ كل 26 شهرًا.
لكن كيف ستبدو الحياةُ على المريخِ؟ أين سنعيشُ وماذا سوف نأكلُ وكيف سنصلُ إلى هناك؟
في الحلقةِ القادمةِ سنجيبُ عن هذا فكنْ متابعًا.

قد يعجبك ايضا
تعليقات