القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

اشخاص نزلت فيهم ايات من القرآن الكريم سورة التوبه

124

نواصل معا نشر كتاب اشخاص نزلت فيهم ايات من القران الكريم للدكتور / احمد محمد علي

قوله تعالى:{ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ } (12)

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَسَائِرِ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ، وَهُمُ الَّذِينَ هَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ.

 

قوله تعالى:{ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ    } (17)

نَزَلَتْ فِي العباس بن عبد المطلب

قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما أسر العباس يوم بدر عيره المسلمون بالكفر وقطيعة الرحم ، وأغلظ علي رضي الله عنه له القول . فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا؟

فقال له علي رضي الله عنه : ألكم محاسن؟ فقال نعم : إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ، فأنزل الله عز وجل ردا على العباس : ” ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ” أي : ما ينبغي للمشركين أن يعمروا مساجد الله .

أوجب على المسلمين منعهم من ذلك ؛ لأن المساجد إنما تعمر لعبادة الله وحده ، فمن كان كافرا بالله فليس من شأنه أن يعمرها . فذهب جماعة إلى أن المراد منه : العمارة المعروفة من بناء المساجد ومرممته عند الخراب فيمنع منه الكافر حتى لو أوصى به لا تمتثل . وحمل بعضهم العمارة ها هنا على دخول المسجد والقعود فيه

قوله تعالى:{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ } (30)

نَزَلَتْ فِي سلام بن مشكم واخرون من اليهود

روى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود : سلام بن مشكم ، والنعمان بن أوفى ، وشاس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله؟ فأنزل الله عز وجل : ( وقالت اليهود عزير ابن الله ) .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير قوله: (وقالت اليهود عزير ابن الله)، قال: قالها رجل واحد, قالوا: إن اسمه فنحاص. وقالوا: هو الذي قال: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ، [سورة آل عمران: 181].

وقيل : إن قائل ما حكي عن اليهود سلام بن مشكم ونعمان بن أبي أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف ، قالوه للنبي صلى الله عليه وسلم . قال النقاش : لم يبق يهودي يقولها بل انقرضوا فإذا قالها واحد فيتوجه أن تلزم الجماعة شنعة المقالة ، لأجل نباهة القائل فيهم . وأقوال النبهاء أبدا مشهورة في الناس يحتج بها . فمن هاهنا صح أن تقول الجماعة قول نبيهها . والله أعلم .

 

قوله تعالى:{ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } (41)

نَزَلَتْ فِي المقداد بن الاسود

 

نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ اعْتَذَرُوا بِالضَّيْعَةِ وَالشُّغْلِ وَانْتِشَارِ الْأَمْرِ، فَأَبَى اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَعْذِرَهُمْ دُونَ أَنْ يَنْفِرُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ.

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَرَأَ أَبُو طَلْحَةَ:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} فَقَالَ: مَا أَسْمَعُ اللَّهَ عَذَرَ أَحَدًا، فَخَرَجَ مُجَاهِدًا إِلَى الشَّامِ حَتَّى مَاتَ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: جَاءَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ عَظِيمًا سَمِينًا، فَشَكَا إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، فَنَزَلَتْ فِيهِ:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ اشْتَدَّ شَأْنُهَا عَلَى النَّاسِ، فَنَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْزَلَ:{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى} الْآيَةَ. ثُمَّ أَنْزَلَ فِي الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَوْلَهُ تَعَالَى:{لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا} الْآيَةَ. وَقَوْلَهُ تَعَالَى:{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا خَرَجَ ضَرَبَ عَسْكَرَهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ عَسْكَرَهُ عَلَى ذِي جُدَّةَ أَسْفَلَ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَمْ يَكُنْ بِأَقَلِّ الْعَسْكَرَيْنِ، فَلَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَخَلَّفَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بن أُبيّ بمن تَخَلَّفَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الرَّيْبِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى يُعَزِّي نَبِيَّهُ:{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} الْآيَةَ.

قوله تعالى:{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي } (49)

نَزَلَتْ فِي جد بن قيس

نَزَلَتْ فِي جَدِّ بْنِ قَيْسٍ الْمُنَافِقِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا تَجَهَّزَ لِغَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ لَهُ:«يَا أَبَا وَهْبٍ هَلْ لَكَ فِي جِلَادِ بَنِي الْأَصْفَرِ تَتَّخِذُ مِنْهُمْ سَرَارِيَّ وَوُصَفَاءَ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي أَنِّي رَجُلٌ مُغْرَمٌ بِالنِّسَاءِ، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ رَأَيْتُ بَنَاتِ بَنِي الْأَصْفَرِ أَنْ لا أصبر عنهم فَلَا تَفْتِنِّي بِهِمْ وَائْذَنْ لِي فِي الْقُعُودِ عَنْكَ وَأُعِينُكَ بِمَالِي، فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ:«قَدْ أَذِنْتُ لَكَ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَبَنِي سَلِمَةَ- وَكَانَ الْجَدُّ مِنْهُمْ-:«مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلِمَةَ؟» قَالُوا: الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ غَيْرَ أَنَّهُ بَخِيلٌ جَبَانٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ الْبُخْلِ، بَلْ سَيِّدُكُمُ الْأَبْيَضُ الْفَتَى الْجَعْدُ: بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ»، فَقَالَ فِيهِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَالْحَقُّ لَاحِقٌ ** بِمَنْ قَالَ مِنَّا مَنْ تَعُدُّونَ سَيِّدَا

فَقُلْنَا لَهُ:

جَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى الَّذِي ** نُبَخِّلُهُ فِينَا وَإِنْ كَانَ أَنْكَدَا

فَقَالَ وَأَيُّ الدَّاءِ أَدْوَى مِنَ الَّذِي ** رَمَيْتُمْ بِهِ جَدًّا وعالى بها بدا

وَسَوَّدَ بِشْرَ بْنَ الْبَرَاءِ بِجُودِهِ ** وَحُقَّ لِبِشْرٍ ذِي النَّدَا أَنْ يُسَوَّدَا

إِذَا مَا أَتَاهُ الْوَفْدُ أَنْهَبَ مَالَهُ ** وَقَالَ: خُذُوهُ إِنَّهُ عَائِدٌ غَدَا

وَمَا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ كُلِّهَا لِلْمُنَافِقِينَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الْآيَةَ.

 

قوله تعالى:{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ } (58)

نَزَلَتْ فِي ابن ذي الحويصره التميمي

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْسِمُ قَسْمًا إِذْ جَاءَهُ ابْنُ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ وَهُوَ حَرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ أَصْلُ الْخَوَارِجِ، فَقَالَ اعْدِلْ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ:«وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟» فَنَزَلَتْ:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} الْآيَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ.

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْجَوَّاظِ لِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ تَقْسِمْ بِالسَّوِيَّةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ}.

 

قوله تعالى:{ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ } (61)

نَزَلَتْ فِي جلاس بن يسار وغيره

نَزَلَتْ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُؤْذُونَ الرَّسُولَ وَيَقُولُونَ فِيهِ مَا لَا يَنْبَغِي، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَبْلُغَهُ مَا تَقُولُونَ فَيَقَعَ بِنَا: فَقَالَ الْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدٍ نَقُولُ مَا شِئْنَا ثُمَّ نَأْتِيهِ فَيُصَدِّقُنَا بِمَا نَقُولُ، فَإِنَّمَا مُحَمَّدٌ أُذُنٌ سَامِعَةٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

– وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ، نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يُقَالُ لَهُ نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ، وَكَانَ رَجُلًا أَدْلَمَ أَحْمَرَ الْعَيْنَيْنِ أَسْفَعَ الْخَدَّيْنِ مُشَوَّهَ الْخِلْقَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ الشَّيْطَانَ فَلْيَنْظُرْ إِلَى نَبْتَلِ بْنِ الْحَارِثِ»، وكان ينم حديث النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمُنَافِقِينَ، فَقِيلَ لَهُ: لَا تَفْعَلْ، فَقَالَ: إِنَّمَا مُحَمَّدٌ أُذُنٌ، مَنْ حَدَّثَهُ شَيْئًا صَدَّقَهُ. نَقُولُ مَا شِئْنَا، ثُمَّ نَأْتِيهِ فَنَحْلِفُ لَهُ فَيُصَدِّقُنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: اجْتَمَعَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِيهِمْ جُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَرَادُوا أَنْ يَقَعُوا فِي النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُمْ غُلَامٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُدْعَى: عَامِرَ بْنَ قَيْسٍ فَحَقَّرُوهُ، فَتَكَلَّمُوا وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ. فَغَضِبَ الْغُلَامُ وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقٌّ وَإِنَّكُمْ لَشَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ، فَدَعَاهُمْ فَسَأَلَهُمْ، فَحَلَفُوا أَنَّ عَامِرًا كَاذِبٌ وَحَلَفَ عَامِرٌ أَنَّهُمْ كَذَبَةٌ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُفَرِّقْ بَيْنَنَا حَتَّى تُبَيِّنَ صِدْقَ الصَّادِقِ مِنْ كَذِبِ الْكَاذِبِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ:{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} وَنَزَلَ قَوْلُهُ:{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ}

 

قوله تعالى:{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } (65)

نَزَلَتْ فِي عبد الله بن ابي

قَالَ قَتَادَةُ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِذْ قَالُوا: يَرْجُو هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَفْتَحَ قُصُورَ الشَّامِ وَحُصُونَهَا! هَيْهَاتَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ:«احْبِسُوا عَلَيَّ الرَّكْبَ» فَأَتَاهُمْ فَقَالَ:«قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

– وقال زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ومحمد بن وهب: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ قُرَّائِنَا هَؤُلَاءِ أَرْغَبَ بُطُونًا وَلَا أَكْذَبَ أَلْسُنًا وَلَا أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَذَهَبَ عَوْفٌ لِيُخْبِرَهُ، فَوَجَدَ الْقُرْآنَ قَدْ سَبَقَهُ، فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدِ ارْتَحَلَ وَرَكِبَ نَاقَتَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ وَنَتَحَدَّثُ بِحَدِيثِ الرَّكْبِ نَقْطَعُ بِهِ عَنَّا الطَّرِيقَ.

أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَوْزَقِيُّ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْخَيَّاطُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ دَاوُدَ الْمِهْرَجَانِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي يَسِيرٍ قُدَّامَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْحِجَارَةُ تَنْكُبُهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، وَالنَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:{أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}؟.

 

قوله تعالى:{ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا } (74)

نَزَلَتْ فِي عبد الله بن ابي وقيل نزلت في جلاس بن سويد

قَالَ الضَّحَّاكُ: خَرَجَ الْمُنَافِقُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى تَبُوكَ، وَكَانُوا إِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ سَبُّوا رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ وَطَعَنُوا فِي الدِّينِ، فَنَقَلَ مَا قَالُوا حُذَيْفَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«يَا أَهْلَ النِّفَاقِ مَا هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ»؟ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ إِكْذَابًا لَهُمْ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلَيْنِ اقْتَتَلَا، رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ وَرَجُلًا مِنْ غِفَارٍ، فَظَهَرَ الْغِفَارِيُّ عَلَى الْجُهَيْنِيِّ، فَنَادَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: يَا بَنِي الْأَوْسِ انْصُرُوا أَخَاكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فَسَمِعَ بِهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا قَالَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

وقيل نزلت في جلاس

لم يكن عمير بن سعد يؤثر على دينه أحدا ولا شيئا، فقد سمع قريبا له ـ جلاس ـ يقول: لئن كان الرجل صادقا، لنحن شر من الحمر، وكان يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جلاس دخل الإسلام رهبا، سمع عمير هذه العبارة فاغتاظ واحتار، أينقل ما سمع للرسول؟ كيف والمجالس بالأمانة؟ أيسكت عما سمع؟ لكن حيرته لم تطل، وتصرف كمؤمن تقي، فقال لجلاس: والله يا جلاس إنك لمن أحب الناس إلي، وأحسنهم عندي يدا، وأعزهم علي أن يصيبه شيء يكرهه، ولقد قلت الآن مقالة لو أذعتها عنك لآذتك، ولو صمت عليها ليهلكن ديني وإن حق الدين لأولى بالوفاء، وإني مبلغ رسول الله ما قلت. بيد أن جلاس أخذته العزة بالإثم، وغادر عمير المجلس وهو يقول: لأبلغن رسول الله قبل أن ينزل وحي يشركني في إثمك. وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم في طلب جلاس فأنكر وحلف بالله كاذبا، فنزلت آية تفصل بين الحق والباطل، قال تعالى (يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر، وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا، وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله، فإن يتوبوا يك خيرا لهم، وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة، وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير ـ التوبة: 74)، فاعترف جلاس بما قاله واعتذر عن خطيئته، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن عمير وقال له: يا غلام، وفت أذنك، وصدقت ربك.

 

قوله تعالى:{ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ } (75)

نَزَلَتْ فِي ثعلبه بن حاطب الانصاري

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بن سهل الحوني قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن رفاعة السلمي عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ:

أَنَّ ثَعْلَبَةَ بْنَ حَاطِبٍ الْأَنْصَارِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ»، ثُمَّ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى:«أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِثْلَ نَبِيِّ اللَّهِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ تَسِيلَ مَعِيَ الْجِبَالُ فِضَّةً وَذَهَبًا لَسَالَتْ». فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَئِنْ دَعَوْتَ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا لَأُوتِيَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«اللَّهُمَّ ارْزُقْ ثَعْلَبَةَ مَالًا»، فَاتَّخَذَ غَنَمًا فَنَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ، فَضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَةُ فَتَنَحَّى عَنْهَا، فَنَزَلَ وَادِيًا مِنْ أَوْدِيَتِهَا حَتَّى جَعَلَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي جَمَاعَةٍ وَيَتْرُكُ مَا سِوَاهُمَا، ثُمَّ نَمَتْ وَكَثُرَتْ حَتَّى ترك الصلاة إلى الْجُمُعَةَ، وَهِيَ تَنْمُو كَمَا يَنْمُو الدُّودُ حَتَّى تَرَكَ الْجُمُعَةَ، فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:«مَا فَعَلَ ثَعْلَبَةُ؟» فَقَالُوا: اتَّخَذَ غَنَمًا وَضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَةُ وَأَخْبَرُوهُ بِخَبَرِهِ، فَقَالَ:«يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ» ثَلَاثًا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وَأَنْزَلَ فَرَائِضَ الصَّدَقَةِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلَيْنِ عَلَى الصَّدَقَةِ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ وَرَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَكَتَبَ لَهُمَا كَيْفَ يَأْخُذَانِ الصَّدَقَةَ، وَقَالَ لَهُمَا: مُرَّا بِثَعْلَبَةَ وَبِفُلَانٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَخُذَا صَدَقَاتِهِمَا، فَخَرَجَا حَتَّى أَتَيَا ثَعْلَبَةَ فَسَأَلَاهُ الصَّدَقَةَ وَأَقْرَآهُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ إِلَّا جِزْيَةٌ، مَا هَذِهِ إِلَّا أُخْتُ الْجِزْيَةِ، مَا أَدْرِي مَا هَذَا؟ انْطَلِقَا حَتَّى تَفْرَغَا ثُمَّ تَعُودَا إِلَيَّ، فَانْطَلَقَا وَأَخْبَرَا السُّلَمِيَّ، فَنَظَرَ إِلَى خِيَارِ أَسْنَانِ إِبِلِهِ فَعَزَلَهَا لِلصَّدَقَةِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُمْ بِهَا، فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: مَا يَجِبُ هَذَا عَلَيْكَ وَمَا نُرِيدُ أَنْ نَأْخُذَهُ مِنْكَ، قَالَ: بَلَى خُذُوهُ فَإِنَّ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ إِبِلِي. فَأَخَذُوهَا مِنْهُ، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ صَدَقَتِهَا رَجَعَا حَتَّى مَرَّا بِثَعْلَبَةَ، فَقَالَ: أَرُونِي كِتَابَكُمَا حَتَّى أَنْظُرَ فِيهِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ إِلَّا أُخْتُ الْجِزْيَةِ انْطَلِقَا حَتَّى أَرَى رَأْيِي، فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَلَمَّا رَآهُمَا قَالَ:«يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ» قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمَا، وَدَعَا لِلسُّلَمِيِّ بِالْبَرَكَةِ، فَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي صَنَعَ ثَعْلَبَةُ وَالَّذِي صَنَعَ السُّلَمِيُّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ مِنْ أَقَارِبِ ثَعْلَبَةَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى ثَعْلَبَةَ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ كَذَا وَكَذَا، فَخَرَجَ ثَعْلَبَةُ حَتَّى أَتَى النبيّ عليه الصلاة والسلام فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ صَدَقَتَهُ فَقَالَ:«إِنَّ اللَّهَ قَدْ مَنَعَنِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْكَ صَدَقَتَكَ»، فَجَعَلَ يَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«هَذَا عَمَلُكَ، قَدْ أَمَرْتُكَ فَلَمْ تُطِعْنِي»، فَلَمَّا أَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حِينَ اسْتُخْلِفَ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ مَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَوْضِعِي مِنَ الْأَنْصَارِ فَاقْبَلْ صَدَقَتِي، فَقَالَ: لَمْ يَقْبَلْهَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا أَقْبَلُهَا؟ فَقُبِضَ أَبُو بَكْرٍ وَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْبَلْ صَدَقَتِي، فَقَالَ: لَمْ يَقْبَلْهَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَا أَبُو بَكْرٍ أَنَا أَقْبَلُهَا مِنْكَ؟ فَلَمْ يَقْبَلْهَا، وَقُبِضَ عُمَرُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ثُمَّ وَلِيَ عُثْمَانُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ صَدَقَتَهُ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَقْبَلْهَا وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَأَنَا أَقْبَلُهَا مِنْكَ؟ فَلَمْ يَقْبَلْهَا عُثْمَانُ، فَهَلَكَ ثَعْلَبَةُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

قوله تعالى:{ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (79)

نَزَلَتْ فِي عبد الرحمن بن عوف  وعاصم بن عدي الانصاري وابو عقيل الاراشي

قال أبو جعفر(المطوعين من المؤمنين)، عبد الرحمن بن عوف, وعاصم بن عدي الأنصاري وأن المعنيّ بقوله: (والذين لا يجدون إلا جهدهم)، أبو عقيل الأراشيّ، أخو بني أنيف.

قال أهل التفسير : حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة ، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم ، وقال : يا رسول الله مالي ثمانية آلاف جئتك بأربعة آلاف فاجعلها في سبيل الله ، وأمسكت أربعة آلاف لعيالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت ” ، فبارك الله في ماله حتى إنه خلف امرأتين يوم مات فبلغ ثمن ماله لهما مائة وستين ألف درهم . وتصدق يومئذ عاصم بن عدي العجلاني بمائة وسق من تمر . وجاء أبو عقيل الأنصاري واسمه الحباب بصاع من تمر ، وقال : يا رسول الله بت ليلتي أجر بالجرير الماء حتى نلت صاعين من تمر فأمسكت أحدهما لأهلي وأتيتك بالآخر فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره في الصدقة ، فلمزهم المنافقون ، فقالوا : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء ، وإن الله ورسوله لغنيان عن صاع أبي عقيل ، ولكنه أراد أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقة ، فأنزل الله عز وجل :

( الذين يلمزون ) أي : يعيبون ( المطوعين ) المتبرعين ( من المؤمنين في الصدقات ) يعني : عبد الرحمن بن عوف وعاصما . ( والذين لا يجدون إلا جهدهم ) أي : طاقتهم ، يعني : أبا عقيل . والجهد : الطاقة ، بالضم لغة قريش وأهل الحجاز . وقرأ الأعرج بالفتح . قال القتيبي : الجهد بالضم الطاقة وبالفتح المشقة . ( فيسخرون منهم ) يستهزئون منهم ( سخر الله منهم ) أي : جازاهم الله على السخرية ، ( ولهم عذاب أليم ) .

وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} أَبُو عَقِيلٍ، وَرِفَاعَةُ بْنُ سَعْدٍ.

قوله تعالى:{ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } (92)

نَزَلَتْ فِي مغفل بن يسار وسته اخرون

نَزَلَتْ فِي الْبَكَّائِينَ وَكَانُوا سَبْعَةً: مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ وَصَخْرُ بْنُ خُنَيْسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كعب الأنصاري وعلبة بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَسَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ نَدَبَنَا لِلْخُرُوجِ مَعَكَ، فَاحْمِلْنَا عَلَى الْخِفَافِ الْمَرْقُوعَةِ وَالنِّعَالِ الْمَخْصُوفَةِ نَغْزُو مَعَكَ، فَقَالَ:«لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ»، فَتَوَلَّوْا وَهُمْ يَبْكُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي بَنِي مُقَرِّنٍ: مَعْقِلٍ وَسُوَيْدٍ وَالنُّعْمَان.

قوله تعالى:{ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا } (97)

نَزَلَتْ فِي أَعَارِيبَ مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ، وَأَعَارِيبَ مِنْ أَعْرَابِ حَاضِرِي الْمَدِينَةِ

 

قوله تعالى:{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ } (101)

قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي جُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ وَأَشْجَعَ وَأَسْلَمَ وَغِفَارٍ{وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَجَدَّ بْنَ قَيْسٍ، وَمُعَتِّبَ بْنَ قُشَيْرٍ وَالْجُلَاسَ بْنَ سُوَيْدٍ، وَأَبَا عَامِرٍ الرَّاهِبَ.

 

قوله تعالى:{ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ } (106)

نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَمُرَارَةَ بْنِ الرَّبِيعِ أَحَدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ مِنْ بَنِي وَاقِفٍ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهُمُ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} الْآيَةَ.

 

قوله تعالى:{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً…} } (107، 108)

نَزَلَتْ فِي بنو غنم بن عوف

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ اتَّخَذُوا مَسْجِدَ قُبَاءَ وَبَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْتِيَهُمْ، فَأَتَاهُمْ فَصَلَّى فِيهِ، فحسدهم إخوتهم بنوغُنم بْنِ عَوْفٍ، وَقَالُوا: نَبْنِي مَسْجِدًا وَنُرْسِلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُصَلِّيَ فِيهِ كَمَا صَلَّى فِي مَسْجِدِ إِخْوَانِنَا، وَلْيُصَلِّ فِيهِ أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ إِذَا قَدِمَ مِنَ الشَّامِ، وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ قَدْ تَرَهَّبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَتَنَصَّرَ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ، وَأَنْكَرَ دِينَ الْحَنِيفِيَّةِ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَعَادَاهُ، وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَبَا عَامِرٍ الْفَاسِقَ، وَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ وَأَرْسَلَ إِلَى الْمُنَافِقِينَ أَنْ اسْتَعِدُّوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَسِلَاحٍ، وَابْنُوا لِي مَسْجِدًا فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى قَيْصَرَ فَآتِي بِجُنْدِ الرُّومِ، فَأُخْرِجُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَبَنَوْا لَهُ مَسْجِدًا إِلَى جَنْبِ مَسْجِدِ قُبَاءَ، وَكَانَ الَّذِينَ بَنَوْهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا: خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ، وَمِنْ دَارِهِ أَخْرَجَ مَسْجِدَ الشِّقَاقِ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ وَأَبُو حَبِيبَةَ بْنُ الْأَزْعَرِ وَعَبَّادُ بْنُ حُنَيْفٍ وَجَارِيَةُ بْنُ عَمْرٍو وَابْنَاهُ مُجَمِّعٌ وَزَيْدٌ

قد يعجبك ايضا
تعليقات