القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الصدق وسيلة إلى الرضا” الجزء السابع”

106

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع الصدق وسيلة إلى الرضا، وإن كثير من الناس يعتقد أن الصدق مقتصر على مطابقة الخبر للواقع أي كذب اللسان أن يحدث بخلاف الواقع وهذا أحد أنواع ومجالات الصدق وهناك أنواع ومجالات أخرى للصدق تتمثل فى صدق اللسان، وهو الصدق في الأقوال وهو أشهر أنواع الصدق وأظهرها وصدق اللسان لا يكون إلا في الإخبار، وحق على كل عبد أن يحفظ ألفاظه، فلا يتكلم إلا بالصدق وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم الصمت إذا كان الكلام يجلب شرا، شعبة من شعب الإيمان، فعن أبى هريرة رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ” رواه البخارى ومسلم، وقال الإمام النووي رحمه الله في رياض الصالحين” واعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه.

 

وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء” وأيضا كما قلنا صدق النية والإرادة، ويرجع ذلك إلى الإخلاص، وهو أن لا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا الله تعالى، فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية، وصاحبه يجوز أن يسمى كاذبا، ومن هنا يقول الله عز وجل فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة محمد ” فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ” أي فإذا جد الحال وحضر القتال، فلو أخلصوا النية لله لكان خيرا لهم، وفي الحديث الشريف عن أبى هريرة رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” أول ثلاثة تسعر بهم النار، عالم ، ومتصدق ، وشهيد” وأن الله يقول لكل منهم، كذبت وإنما قرأت، أو تصدقت، أو قاتلت ليقال كذا وكذا “الحديث بتمامه في صحيح مسلم، أي وليس صدقا في طلب الثواب من الله عز وجل، وكذلك صدق الوفاء بالوعد والعهد، فالصدق في الوفاء بالعهد من صفات الأنبياء والمرسلين، فالإنسان إذا عاهد عهدا مع الله أو مع الناس لابد أن يصدق في عهده ووعده.

 

وكذلك الصدق في مقامات الدين، وهو أعلى الدرجات وأعزها، ومن أمثلته هو الصدق في الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل وغيرها من الأمور وكذلك الصدق في التجارة والمعاملات، فالصدق في المعاملات يورث الثقة بين المتعاملين كما أنه سبيل إلى بركة البيع والشراء، وهكذا فإن إن الصدق من الصفات الحميدة ولكن كيف اتحلى به ؟ وكيف اكتسبه ؟ وما هي الوسائل المعينة عليه ؟ لأن الصدق شديد على النفس ولهذا قال ابن القيم رخمه الله” حمل الصدق كحمل الجبال الرواسي، لا يطيقه إلا أصحاب العزائم، فهم يتقلبون تحته تقلب الحامل بحمله الثقيل، والرياء والكذب خفيف كالريشة، لا يجد له صاحبه ثقلا البتة، فهو حامل له في أي موضع اتفق، بلا تعب ولا مشقة ولا كلفة، فهو لا يتقلب تحت حمله ولا يجد ثقله” ومن وسائل اكتساب الصدق، هو مراقبة الله تعالى، فإن إيمان المرء بأن الله عز وجل معه، يبصره ويسمعه يدفعه للخشية والتحفظ، وكذلك من وسائل إكتساب الصدق هو الحياء.

 

لأن الحياء يحجب صاحبه عن كل ما هو مستقبح شرعا وعرفا وذوقا، والمرء يستحيي أن يعرف بين الناس أنه كذاب، فالمسلم أولى بالحياء من ربه أن يسمعه يقول كذبا، أو يطلع على عمل، أو حال هو فيه كاذب، وأيضا صحبة الصادقين، فقد أمر الله المؤمنين أن يكونوا مع أهل الصدق، أي اقتدوا بهم واسلكوا سبيلهم، وهم الذين استوت ظواهرهم وبواطنهم، وصدقوا في أقوالهم وأعمالهم، وأيضا إشاعة الصدق في الأسرة، فالإسلام يوصي أن تغرس فضيلة الصدق في نفوس الأطفال، حتى يشبوا عليها، وقد ألفوها في أقوالهم وأحوالهم كلها وأيضا الدعاء، فلما كان حمل النفس على الصدق في جميع أمورها شاق عليها، ولا يمكن لعبد أن يأتي به على وجهه إلا بإعانة الله له وتوفيقه إليه، أمر الله نبيه أن يسأله الصدق في المخرج والمدخل، وأيضا معرفة وعيد الله للكذابين وعذابه للمفترين، فقد جاءت النصوص الكثيرة التي تحذر من الكذب، وتبين سوء عاقبته في الدنيا والآخرة، ولهذا فإن تذكير النفس بها، مما يعين المرء على الصدق في أحواله كلها. 

 

وإن هناك ثمرات وفوائد عديدة للصدق يعود أثرها على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة، ومنها محبة الناس للصادق ورواج بضاعته، فالتاجر الصادق الأمين يعتبر مكسبا مهما لا يمكن أن يعوَّض بالنسبة للمشترين والتجار الآخرين، فالتزام التاجر بالصدق يكفل له رواج بضاعته، وثقة الناس فيه وإقبالهم على الشراء منه، حتى لو لم تكن بضاعته ذات كفاءة عالية في الكثير من الأحيان، أو حتى لو كان سعره أعلى من سعر نظرائه من التجار، وفي ذلك يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ” من كانت له عند الناس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث، من إذا حدثهم صدقهم، وإذا ائتمنوه لم يخنهم، وإذا وعدهم وفّى لهم، وجب له عليهم أن تحبه قلوبهم، وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم، وتظهر له معونتهم” ومنها حصول البركة في البيع والشراء ” فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما فحصول البركة لهما إن حصل منهما الشرط وهو الصدق والتبيين ومحقها إن وجد ضدهما وهو الكذب.

قد يعجبك ايضا
تعليقات