القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الصدقة شفاء وداوء الجزء الرابع

101

إعداد محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع الصدقة شفاء ودواء، وهناك الكثير من آيات كتاب الله تعالى نادي الله فيها عباده المؤمنين، وأمرهم بالإنفاق في سبيله، ليدخروا ثواب ذلك عنده، وليبادروا إلى ذلك في هذه الحياة من قبل أن يأتي يوم وهو يوم القيامة لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، واعلموا أن الله تعالى ابتلاكم بهذا المال، فمن استعان به على طاعة الله، وأنفقه في سبل الخيرات، كان سببا موصلا له إلى رضوان الله، والفوز بالجنة، ومن استعان بماله على معصية الله، وأنفقه في تحصيل شهواته المحرمة، واشتغل به عن طاعة الله، كان سببا في غضب الله عليه واستحقاقه العقاب الأليم، وإن الإنفاق في سبيل الله؛ خير تقدمه لأخراك، والإنفاق في سبيل الله يدفع الله عز وجل به عن العبد البلاء حتى كان بعض العلماء يوصي إخوانه إذا أصابتهم الشدائد والملمات، أن يكثروا من الصدقات حتى يرحمهم الله عز وجل، وكم من يد أعطت لوجه الله عز وجل عافاها الله، ودفع عنها البلاء، والصدقة دليل وبرهان على إيمان صاحبها.

والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار قال صلى الله عليه وسلم “تصدقوا ولو بتمرة، فإنها تسد من الجائع، وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار” والصدقة فيها تيسير على عباد الله المؤمنين، وتنفيس لكرباتهم، والصدقة يخلفها الله عليك، والصدقة تطهر صاحبها من الذنوب والخطايا وتزكيه، والصدقة لا تنقص المال، بل تزيده وتبارك فيه فعن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ما نقصت صدقه من مال ” رواه مسلم، وبالصدقات تستر العورات، وتفرج الكربات، وتدفع الشدائد عن عباد الله المؤمنين والمؤمنات، فكم من صدقة دفعت عن صاحبها أبوابا من البلايا لا يعلمها إلا الله، وكم من صدقة رحم الله بها معذبا، وفرّج بها عن المهموم الهموم والكروب، فإذا عظمت على الإنسان ذنوبه، وكثرت منه خطاياه وعيوبه، فما عليه إلا أن يكثر من الصدقات رجاء أن يرحمه الله بها، وهذه الصدقات كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغّب فى إخفائها لينال الإنسان أجره كاملا عليها.

لذلك كان السلف الصالح رحمهم الله يحرصون على إخفاء صدقاتهم حتى ذكروا عن التابعي الجليل زين العابدين، أنه كان ينفق على الناس في ظلمات الليالي، فلما توفي فقد أكثر من ثلاثين بيتا من ضعفة المسلمين رجلا يقرع عليهم الباب بالليل بالطعام، فكانوا رحمهم الله يخفون الصدقات رجاء أن يتقبلها الله منهم، ولكي يتقبل الله صدقتك ينبغي أن تراعى أن تصلح نيتك فتقصد بصدقتك وجه الله عز وجل، فإنك إن لم تقصد وجه الله وقصدت بها الرياء والسمعة لم تقبل منك، وبالتالى تعاقب على ذلك أيضا، وأن تتخير الأجود من الحلال الطيب الذي تحبه فتنفقه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا”رواه مسلم، وعن سعيد بن هلال أن ابن عمر رضي الله عنهما نزل الجحفة وهو مريض فاشتهى سمكا، فلم يجدوا إلا سمكة واحدة، فلما قربت إليه أتى مسكين، حتى وقف عليه، فقال له ابن عمر خذها، فقال له أهله سبحان الله قد عنيتنا ومعنا زاد نعطيه.

فقال إن عبد الله يحبه، وقيل وقف سائل على باب الربيع، فقال “أطعموه سكرا، فقالوا ما يصنع هذا بالسكر؟ نطعمه خبزا أنفع له، قال ويحكم أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر!” ويجب كذلك أن تقدم ذوي الحاجة من أقربائك وذوي رحمك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان، صدقة وصلة” رواه أحمد والترمذى، وكذلك أن تتحرى بصدقتك أهل الدين الذين يستعينون بهذه الصدقة على طاعة الله، ولا ينفقونها في معصيته فتكون معاونا لهم على المعصية والإثم، وأن تسر بصدقتك ما استطعت، إلا إذا كان في إعلانها مصلحة راجحة فأعلنها، وقد ذكر من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله “رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه” متفق عليه، وعليك أيها المتصدق أن تتصدق بما سهل عليك وإن كان قليلا، المهم أن لا ترد السائل ولو بأيسر شيء؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال “ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا قط، فقال “لا” متفق عليه.

وأتى سائل إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعندها نسوة، فأمرت له بحبة عنب، فتعجب النسوة منها، فقالت إن فيها ذرا كثيرا تتأول قوله تعالى ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ” وعليك أن تعود نفسك على الصدقة ولو كنت فقيرا فقد سئل عن أفضل الصدقة، فقال “جهد المقل” رواه أحمد والنسائي وأبو داود، أى صدقه الفقير، واعلم أن أفضل ما تكون الصدقة إذا كانت في عز الشباب، واقتبال العمر، مع كمال الصحة والعافية، فهذه الصدقة من أحب الصدقات إلى الله تعالى، أما الثمرات التي تجنيها من صدقتك فكثيرة، منها بل من أعظمها وأجلها هو رحمة الله لك، وغفرانه لسيئاتك، ولقد غفر الله للمرأة البغي من بغايا بني إسرائيل لأنها سقت كلبا شربة ماء، وإذا كان هذا في كلب بهيم فكيف بمن يسقي إنسانا يذكر الله تعالى؟ وكيف بمن يفرج همَّ بيت من بيوت المسلمين، فيكفله في كل شهر بمال يتقرب به إلى الله رب العالمين، فلذلك أول ما يجنيه الإنسان من الصدقة رحمة الله عز وجل به.

قد يعجبك ايضا
تعليقات