القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الصدق مع الله ومع النفس ” الجزء الثالث”

77

 

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الصدق مع الله ومع النفس، وفى الحديث الصحيح “أول ثلاثة تسعر بهم النار” أن الله يقول لكل منهم “كذبت، وإنما قرأت أو تصدقت أو قاتلت ليقال كذا وكذا” أي وليس صدقا في طلب الثواب من الله عز وجل، وإن من علامات صدق النية والرغبة في الأجر كتمان المصائب والطاعات جميعا، وكراهة اطلاع الخلق على ذلك، وهناك الصدق في العزم والوفاء، كأن يقول إن أتاني الله مالا تصدقت بجميعه، فقد يقول ذلك مع عدم صدق العزيمة، بل مع التردد أو خلو القلب من الصدق والإصرار على ما يتلفظ به، وقد يقول ذلك مع عزيمة ثم يترك الصدق فى الوفاء عند تمكنه من ذلك ومن هنا يقول الله تعالى فى سورة التوبة ” ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون، فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ” فأين هؤلاء ممن قال الله عز وجل فيهم.

“من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزى الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما” وهناك أيضا الصدق في العمل، والبذل بالإتقان، واستفراغ الجهد، ومن هذا القبيل قول سعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، أي صادقون في الحرب والقتال، نثبت ونستفرغ الجهد، وقال صلى الله عليه وسلم “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” وإن الصدق يكون في الأقوال وهو استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها، فحق على كل عبد أن يحفظ ألفاظه ولا يتكلم إلا بالصدق، وصدق اللسان أشهر أنواع الصدق وأظهرها، وأن يتحرز من الكذب ومن المعاريض التي تجانس الكذب، وينبغى أن يراعى معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه كقوله تعالى ” وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض” فإن كان قلب العبد منصرفا عن الله منشغلا عن الدنيا.

وهو يقول وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض في الصلاة في الاستفتاح فهو كاذب، ومن الأقوال التي ينبغي الحرص على الصدق فيها الحلف والقسم، فقد ورد عن ابن عمر رضى الله عنهما قال “سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يحلف بأبيه فقال ” لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق ومن حُلف له بالله فليرضى، ومن لم يرضى بالله فليس من الله” حديث صحيح “رواه ابن ماجة وقال أيضا “ويمينك على ما صدقك به صاحبك ” رواه مسلم، فلا يجوز لك أن تورّى فيه، ولا تجوز التورية في القسم عند القاضي أو عند الشخص الذى تريد أن تقسم له إذا كان صاحب حق، فلا تنفعك توريتك في اليمين، وهي حرام والواجب أن تكون يمينك على ما يصدقك به صاحبك ويفهم من كلامك، فلو حلف أنه مثلا، لم يأخذ منه مالا ونوى في نفسه أنه لم يأخذ منه مالا فى هذا المجلس، فلا ينفعه ذلك ولا يجعل المال حلالا له، يمينك على ما صدقك به صاحبك، والحقوق لا يجوز لك أبدا التورية فيها، وقال صلى الله عليه وسلم.

“إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” وذلك أن الإنسان كما أنه قد يكذب في كلامه بأن يخبر بغير الواقع والحقيقة، فكذا قد يكذب بعمله، فيوري بالضعيف من العمل، ويضبط ظاهره دون باطنه ليخدع الناس أو يخدع نفسه، فيظهر لهم خلاف واقع العمل وحقيقته، ثم هناك الصدق في كلام الناس وأحاديثهم بعضهم مع بعض فقد جعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الصفات الفارقة بين المؤمن والمنافق أن المؤمن يصدق الحديث، والمنافق يكذب فيه، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضى الله عنه مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان” فالمؤمن لابد إذا أن يكون صادقا في قوله وحديثه، وفي عمله واعتقاده، وكل منا ينبغي أن يحاسب نفسه على ذلك، فإنه من القبيح جدا أن يظهر التفريط بيننا في أمر الصدق، أو أن يقع أحدنا في آفة الكذب، سواء في القول أم الكلام أم العمل، كما يقع من البعض في أداء الأعمال دون إتقان.

ودون روح، ودون الجهد المطلوب، أم في الذكر والدعاء، بحيث لا يوجد الصدق في القلب، بل يكون الأمر مجرد كلمات أو حركات بلا رصيد في القلب وإصرار وإلحاح، أم في التعلم والعمل لنصرة هذا الدين والالتزام به، حيث يبدو التكاسل والتفريط والتخلف عن القيام بالواجب أو الدور المطلوب، وروى البخارى ومسلم والترمذى، وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه الآية، منهم طلحة بن عبيد الله، رضى الله عنه فقد ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصيبت يده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” أوجب طلحة الجنة ” وفي الترمذي عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل، سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترئون على مسألته، فكانوا يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر، فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم قال أين السائل عمن قضى نحبه ؟ قال الأعرابى أنا يا رسول الله، قال “هذا ممن قضى نحبه “

قد يعجبك ايضا
تعليقات