القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

تربية الأبناء مسؤلية مَن ؟” الجزء التاسع “

97

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء التاسع مع تربية الأبناء مسؤلية مَن؟ والطفل في سن الحضانة يحب جدا المعلمة ويتخذها قدوة، وهى عنده بمنزلة الأم خصوصا إذا كانت عطوفة عليه، وتقوم بواجب رعايته بأمانة، ومن ثم فهى تؤثر في شخصيته بدرجة كبيرة، وكلما كانت المعلمة قدوة حسنة، وملتزمة بأخلاق الإسلام وآدابه وتعاليمه، كلما خرج الطفل وتعلم بطريقة أفضل، وكلما كانت المعلمة ذات ثقافة وعلم كلما كانت أكثر قدرة على بث الآداب والفضائل في الأولاد، وأشد تأثيرا فيهم، فتعليم الأطفال يحتاج إلى دراسة واعية وإلى خبرة وعلم، وقد افتتحت في كثير من كليات التربية أقسام للطفولة، لتخرج معلمات لدور الحضانة يكن على درجة كبيرة من الثقافة والعلم بطبيعة تلك المرحلة، وسُبل التعامل مع الأطفال الصغار، ولا بأس إن كان الوالد يقدر أن يجلب لولده معلما يعلمه القرآن، والآداب، والفضائل في المنزل، وهكذا كان يفعل قديما الأمراء والخلفاء والأعيان، وكل من لديهم مقدرة مالية على ذلك، وقد جلب عتبة بن أبي سفيان لأولاده معلما.

وكان مما أوصاه به”ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بنيّ إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت، وعلمهم كتاب الله، ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم روهم من الشعر أعفه، ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجهم من علم إلى غيره حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم” ويروى أن المفضل بن زيد رأى مرة ابن امرأة من الأعراب فأعجبه، فسألها عن حاله فقالت “إذا أتم خمس سنين أسلمته إلى المُؤدب، فحفظ القرآن فتلاه، وعلمه الشعر فرواه، ورغب في مفاخر قومه، ولقن مآثر آباءه وأجداده، فلما بلغ الحلم حملته على أعناق الخيل، فتمرس وتفرس، ولبس السلاح، ومشى بين بيوت الحي، وأصغى إلى صوت الصّارخ” وعندما يكبر الطفل قليلا ليلتحق بالمدرسة، تصبح المدرسة من أكبر العوامل المؤثرة في ثقافته، وذلك لأن الوقت الذي يمكثه في المدرسة كبير نسبيا بالمقارنة بالوقت الذى يقضيه فى المنزل إذا ما حذفنا وقت النوم.

كما يؤثر المدرسون في الطفل بدرجة كبيرة، فهو يعتبرهم قدوته ومثله الأعلى، ومنهم يستمد القيم والمعتقدات والمفاهيم، وعلى الوالد أن يدفع بولده إلى مدرسة ذات سُمعة طيبة حسنة، ومدرسين متميزين، وعليه أن يشجع الولد على الاشتراك في الأنشطة المدرسية، وفي الجماعات المدرسية، وخصوصا جماعة المكتبة والجماعات العلمية الأخرى، وجماعة الإذاعة المدرسية، وعلى الدولة أن تهتم بالمدرسة وإمكاناتها، وبالمعلمين وتدريبهم وأخلاقهم، وبالمناهج التعليمية وشمولها ومعاصرتها، وصياغتها بصورة مشوقه للطلاب، وأن نهتم بمادة التربية الإسلامية حتى تصبح المدرسة قادرة على القيام بالدور الثقافي والديني المنوط بها، وهناك عدد من الوسائل الأخرى التي تنمي ثقافة الطفل وفكره، ومن هذه الوسائل تكوين مكتبة للطفل فى المنزل، هذه المكتبة ينبغي أن تحتوي على كتب تناسب أعمار الأطفال المختلفة، فتحتوي مثلا على كتب قصص للأطفال من قصص القرآن، وقصص الأبطال والمجاهدين، وكتب السيرة النبوية للأطفال.

وقصص الأنبياء للأطفال، وكتب تتناول جانب العقيدة بأسلوب مبسط، وكتب أخرى علمية وأدبية وتاريخيه، فهذه المكتبة تدفع الطفل نحو القراءة، والقراءة من أهم ما يجب أن يحبه الطفل، لأنه ومع تقدم وسائل نقل المعلومات بدرجة مذهلة، إلا أن الكتاب يبقى الوسائل الأساسية في توضيح الفكرة، وشرح النظرية وخلافه، والطفل الغير قارئ هو طفل غير مثقف، ويمكن أن نجعل الطفل يحب القراءة عن طريق مشاركته في قراءة قصة ما من القصص، فيمكن أن تجلس الأم فتقرأ للطفل القصة بصوت عالى، ثم تعطيه ليكمل هو قراءتها، ويجب أن نقرأ للأطفال الأنواع المعينة من القصص التي يحبونها أو يفضلونها فشيئا فشيئا يحب الطفل القراءة، ثم لا نجد بعد ذلك عناء في توجيهه الوجهة الصحيحة حيثما نريد، ونعرض عليه المجلات المتخصصة، كما أن علينا ألا نتعجل في أن يستخدم الطفل الكمبيوتر قبل أن نتأكد من أنه يقرأ ويحب القراءة، فالطفل القارئ بشكل جيد يتعلم استخدام الكمبيوتر بسرعة، أما ضعيف القراءة.

فلن يستطيع تعلم ذلك بسرعة وكفاءة، عندها سيمل بسرعة ويقضي معظم الوقت في اللعب على الكمبيوتر بدلا من استخدامه في أمور تفيده، ومن الوسائل التي تنمي ثقافة الطفل أيضا أن يشترك في المكتبة العامة، ويصبح زائرا معتادا لها، وأيضا قراءة بعض المجلات المحترمة ومراسلتها، فإن ذلك يدعوه إلى الاطلاع الدائم، كما أن الكتابة تنمى ملكات الطفل، ومما يساعد الطفل أيضا على تنمية ثقافته الزيارات الميدانية والرحلات الاستكشافية، فبها يتعرف الطفل على طبيعة بلده، وعلى موارده، فتنمو عقلية الطفل، ويفكر بطريقة أفضل، ويدعوه ذلك إلى الاطلاع والقراءة حول ما تعرض له فى تلك الحالات، ومن الوسائل الثقافية أيضا للطفل الأفلام العلمية، والتي يمكن عرضها على الكمبيوتر، فيمكنه أن يرى الأجرام السماوية، والمجرات والكواكب والنجوم، ونحو ذلك، وما وراء البحار، وعالم الحيوان، والحشرات وغيره، وكل ذلك يعطي للطفل خلفية ثقافية كبيرة، ويسبب للطفل متعة نفسية، ويساعد في توصيل المعلومات للطفل بطريقة أسرع.

وأبسط وأيسر، فالوسائل العلمية ووسائل الإيضاح المختلفة مما يفرد له البحث في الآونة الأخيرة، وأصبحت علما من العلوم المستقلة، ويقاس مدى تقدم الناحية العلمية من مكان لآخر بالقدرة على استخدام الوسائل التعليمية بطريقة جيدة، وتطوير طريقة الشرح والتقويم، ولقد عني رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المنهج وتلك الطريقة، فكان يستخدم الرسم كوسيلة لتوضيح المعنى، فعن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قال “خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا مربعا، وخط خطا خارجا منه، وخط خطوطا صغارا إلى هذا الذى فى الوسط من جانبه الذى في الوسط، فقال هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به، وهذا الذى خارج أمله، وهذه الخطوط الصغار والأعراض هي الحوادث والنوائب المفاجئة، فإن أخطأ هذا نهشه هذا، وإن أخطأ هذا نهشه هذا، وإن أخطأه كلها أصابه الهرم” فسبحان مَن شملت قدرته كل مقدور، وجرت مشيئته في خلقه بتصريف الأمور، وتفرد بملكوت السموات والأرض يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور.

فلا ريب أن الإنسان مجبول على حب البقاء، إلا أنه يعلم أنه لا محالة هالك، وأنه لا بد لوجوده من أجل، هكذا اقتضت إرادة الله عزّت قدرته، وجلت حكمته أن يجعل في نفس الإنسان بعض العوض عن ذلك، فإنه يرى بقاءه مستمرا، وذكره لم ينقطع بذريته، فلا يندم على جهاده في معترك الحياة، ولا يأسف على مفارقة ما جمع من مال وعقار لعلمه أنه تركه لخلفه الذى هو جزء منه، فكأنه هو الذى يستمتع به، وكأنه باقى لم يلحقه فناء، وهذا كله مسلم لدى جميع العقلاء، فالكل يحب الولد لأنه يرى فيه بقاء لذكره، ويوقن أنه خليفته في هذه الحياة، كما أن كل إنسان يشعر بالحاجة إلى مُعين مخلص، ومساعد أمين، يحمل عنه بعض متاعب الحياة، ويكون عُدته عند النوائب، وإذ إنه في الشدائد، ولا أحد أجدر من الولد في ثقة الوالدين في هذا المعنى لذا كان حب الذرية غريزة قوية في الإنسان فقلب الأبوين مفطور على محبة الولد، والرحمة به، والشفقة عليه، والاهتمامِ بأمره، ولولا ذلك لانقرض النوع الإنسانى من الأرض.

قد يعجبك ايضا
تعليقات