القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

العشر الأواخر من رمضان ” الجزء السابع “

97

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السابع مع العشر الأواخر من رمضان، وقد توقفنا مع ليلة القدر، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها “أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فى العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده، وما ذلك إلا تفرغا للعبادة، وقطعا للشواغل والصوارف، وتحريا لليلة القدر، هذه الليلة الشريفة المباركة، التي جعل الله العمل فيها خيرا من العمل في ألف شهر، فقال سبحانه “ليلة القدر خير من ألف شهر” فإن فى هذه الليلة تقدر مقادير الخلائق على مدار العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والسعداء والأشقياء، والآجال والأرزاق، وقال تعالى “فيها يفرق كل أمر حكيم” وقد أخفى الله عز وجل علم تعييين يومها عن العباد، ليكثروا من العبادة، ويجتهدوا في العمل، فيظهر من كان جادا فى طلبها حريصا عليها، ومن كان عاجزا مفرطا، فإن من حرص على شيء جد فى طلبه، وهان عليه ما يلقاه من تعب في سبيل الوصول إليه، فهذه الليلة العظيمة يستحب تحريها في العشر الأواخر من رمضان.

وهى فى الأوتار أرجى وآكد، فقد ثبت فى الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى” وهي في السبع الأواخر أرجى من غيرها ، ففى حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام فى السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر” رواه البخارى، ثم هى فى ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال” ليلة القدر ليلة سبع وعشرين” رواه أبو داود، فاحرص على الاقتداء بنبيك صلى الله عليه وسلم، واجتهد فى هذه الأيام والليالى، وتعرض لنفحات الرب الكريم المتفضل، عسى أن تصيبك نفحة من نفحاته لا تشقى بعدها أبدا، وأكثر من الدعاء والتضرع، وخصوصا الدعاء الذى علمه النبى صلى الله عليه وسلم.

للسيدة عائشة رضى الله عنها حين قالت يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول فيها ؟ قال “قولى اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى” رواه أحمد وغيره، ويقول سائل هل ليلة القدر تأتى كل سنة فى وقت مختلف؟ بمعنى أنها لو كانت هذه السنة ليلة السابع والعشرين فهل يمكن أن تكون السنة القادمة ليلة الثالث والعشرين؟ فإن الذى عليه المحققون من العلماء أن ليلة القدر تنتقل فى العشر الأواخر من ليلة لأخرى، فقال النووى رحمه الله فى شرح صحيح مسلم، وأكثر العلماء على أنها ليلة مبهمة من العشر الأواخر من رمضان، وأرجاها أوتارها، وأرجاها ليلة سبع وعشرين وثلاث وعشرين وإحدى وعشرين، وأكثرهم أنها ليلة معينة لا تنتقل. وقال المحققون إنها تنتقل فتكون سنة في ليلة سبع وعشرين، وفي سنة ليلة ثلاث وعشرين، وسنة إحدى وعشرين، وهذا أظهر، وفيه جمع بين الأحاديث المختلفة فيها، ثم نقل عن القاضي عياض أن هذا قول مالك والثورى وأحمد وإسحاق وأبى ثور وغيرهم، ولما نقل الحافظ ابن حجر أقوال العلماء.

فى ليلة القدر ومن هذه الأقوال من قال إنها تنتقل فى العشر الأخيرة كلها، قال نص عليه مالك والثوري وأحمد وإسحاق ، ثم قال وأرجحها يعنى أرجح الأقوال فيها أنها تنتقل كما يفهم من أحاديث هذا الباب، ويسأل سائل فيقول سمعت كثرة صياح الديكة بصفة عجيبة في الفجر فى الأيام العشر الأواخر من رمضان، فهل تعد هذه علامة من علامات ليلة القدر؟ فإن ليلة القدر لها علامات تميزها, ومن تلك العلامات ما جاء فى مجموع الفتاوى للشيخ ابن عثيمين حيث قال وأما علاماتها فإن من علاماتها أن تخرج الشمس صبيحتها صافية لا شعاع فيها، وهذه علامة متأخرة، وفيها علامات أخرى كزيادة الأنوار فيها، وطمأنينة المؤمن، وراحته، وانشراح صدره، كل هذه من علامات ليلة القدر، أما كثرة صياح الديكة بصفة عجيبة فى العشر الأواخر فلم نقف على من قال إنها من علامات ليلة القدر، ويقول قائل هل أحصل على أجر قيام ليلة القدر بصلاة العشاء والفجر فى جماعة بدون التراويح لحديث النبى صلى الله عليه وسلم.

” من صلى العشاء فى جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله؟ فقيام ليلة القدر من أفضل الأعمال وأرجاها لحصول المغفرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما ثبت فى الصحيح” من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن فضيلة قيام ليلة القدر تحصل لمن صلى العشاء والصبح فى جماعة، وهذا بالنظر إلى أصل فضيلة القيام، وأما كمال الأجر فلا شك فى أن العبد كلما اجتهد فى الطاعة وأكثر من العبادة كان أدخل فى هذا الوعد وأولى بتحصيله، وقد كان هدى النبى صلى الله عليه وسلم فى العشر الأخيرة من رمضان التشمير عن ساق الجد فى الطاعة والمبالغة فى الاجتهاد فيها تحريا لليلة القدر، فكان كما ثبت فى الصحيح إذا دخل العشر الأواخر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله صلى الله عليه وسلم، وممن ذهب إلى أن من صلى العشاء والصبح فى جماعة نال أصل فضيلة قيام ليلة القدر الشافعى رحمه الله، فقال الشافعى رحمه الله.

أن من شهد العشاء والصبح فى جماعة فقد أخذ بحظه منها أى من ليلة القدر، وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال مرفوعا ” من صلى العشاء الآخرة فى جماعة من رمضان فقد أدرك ليلة القدر” وقيل ليس المراد بقيام رمضان قيام جميع ليله بل يحصل ذلك بقيام يسير من الليل كما فى مطلق التهجد وبصلاة التراويح وراء الإمام كالمعتاد في ذلك، وبصلاة العشاء والصبح فى جماعة لحديث عثمان بن عفان رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح فى جماعة فكأنما صلى الليل كله” رواه مسلم، فمعنى قوله “ومن صلى الصبح في جماعة” أى مع كونه كان صلى العشاء في جماعة وكذلك جميع ما ذكرناه يأتى فى تحصيل قيام ليلة القدر، وعن أبي أمامة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” من صلى العشاء فى جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر”رواه الطبرانى، وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها.

وقال ابن عبد البر مثل هذا لا يكون رأيا ولا يؤخذ إلا توقيفا، وقال الشافعى رحمه الله من شهد العشاء والصبح ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها ولا يعرف له فى الجديد ما يخالفه، وروى الطبرانى بإسناد فيه ضعف عن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” من صلى العشاء في جماعة وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد كان كعدل ليلة القدر” وهذا أبلغ من الحديث الذي قبله، لأن مقتضاه تحصيل فضيلة ليلة القدر وإن لم يكن ذلك في ليلة القدر فما الظن بما إذا كان ذلك فيها، ومن العلماء من نازع فى هذا ورأى أن فضيلة قيام ليلة القدر لا تحصل إلا لمن قام كل الليل أو معظمه، فقال المباركفورى في مرعاة المفاتيح قال ويكفي فى ذلك ما يسمى قياما حتى أن من أدى العشاء بجماعة فقد قام لكن الظاهر من الحديث عرفا، كما قال الكرمانى أنه لا يقال قام الليلة إلا إذا قام جميعها أو أكثرها، وفضل الله تعالى واسع، فلا يبعد أن ينال من صلى العشاء والصبح فى جماعة حظا من فضل قيام ليلة القدر، ولكن لا يستوى بلا شك مع من أتعب نفسه وأسهر ليله واجتهد في طاعة ربه كل الليل أومعظمه وتأسى فى ذلك بالنبى الكريم صلى الله عليه وسلم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات