القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

يوم بدر دروس وعبر ” الجزء الثالث “

88

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع يوم بدر دروس وعبر، وقد تعلمنا أن من أسباب النصر العظيمة هو تآلف القلوب وتراحمها، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قلة من العدد والعدة، ولكن كانت بينهم المحبة والصفاء والمودة، كانوا متراحمين متعاطفين متآلفين متكاتفين متناصرين متآزرين، شعارهم لا إله إلا الله، فسبحان من أعزهم وهم أذلاء، سبحان من أغناهم وهم فقراء، سبحان من رفعهم وهم وضعاء، فالتآلف والتعاطف والتكاتف والتناصر والتآزر سبيل إلى نصر المؤمنين، طريق لعزة الأخيار والصالحين، فإن وجدت أهل الإسلام متعاطفين متراحمين فاعلم أن النصر حليفهم، وإن وجدتهم متقاطعين متباعدين متناحرين، إن مزقتهم الجماعات والحزبيات والرايات والشعارات، فادمع على الإسلام بين أهله، ومن غزوة بدر الكبرى، استلهمنا منها مواقف المحبة والرضا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدناهم تحت رايته لا يقولون غير قوله، لا يتقدمون عليه، ولا يؤخرون أمرا أمر بإمضائه صلى الله عليه وسلم.

فإنهم حقا كما قال تعالى “رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ” فيا معاشر المعتكفين والمعتكفات وصية لكم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلموا أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، لا يقبل الله من الاعتكاف إلا ما كان خالصا لوجهه، ويراد به ما عنده، فهو سبحانه وتعالى القائل فى سورة الكهف ” فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا” فأخلصوا لله النيات، وأخلصوا لله العبادات والطاعات، فلا يزال العبد بخير إذا تكلم تكلم لله، وإذا عمل عمل لله، فقدموا الحقوق والواجبات، وإياك أن تعتكف ووراءك حق أمرك الله بأدائه يضيع باعتكافك، فإن كان الوالدان بحاجة إلى برّك وحنانك وعطفك وإحسانك فاحتسب عند الله في القيام عليهما، فكم من قائم على أم حنون يسقيها دواءها، ويعالج جراحها وداءها، بلغه الله أجر المعتكفين، وكم من قائم على أب ضعيف، شيخ كبير، يقضي حوائجه، ويرحم ضعفه، ويحسن إليه، ويجبر بإذن الله كسره، بلغه الله مقام المعتكفين.

وكم من قائم على زوجة سقيمة مريضة، يقوم عليها، بلغه الله أجر الاعتكاف بما كان من إحسانه إليها، فقد تخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه عن غزوة بدر بسبب زوجته التى كان يمرضها، وهى السيدة رقية رضي الله عنها وأرضاها، فأنت لو كنت مريضا لقامت على رأسك ولأحسنت إليك، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان، فإياك أن تعتكف والأبناء والبنات بحاجة إليك، أو يكون اعتكافك سببا في ضياعهم، فاتق الله فى الأقربين إليك، واخرجوا إلى بيوت الله بالنية الصادقة، وليس فى قلوبكم إلا الله، وادخلوا إلى بيوت الله معظمين شعائر الله، فإن للمساجد حقوق عظيمة، فلا تسبّن مسلما، ولا تشتمن قائما، ولا تلزمن صائما، إياك وأذية المسلمين فى اعتكافك، وتجنب النوم فى الأماكن الفاضلة، ومكن الناس من بيوت الله، ولا يجوز حجز الأماكن فى المساجد إلا لمن خرج لقضاء حاجته، أما من عدا ذلك فلا يجوز له أن يؤذى المسلمين فى بيوت الله رب العالمين، فالمساجد بيوت الله، فقد استوى فيها الغنى والفقير، والجليل والحقير.

ذلة لله العظيم الكبير، وأما عن غزوة بدر وتسمى أيضا بغزوة بدر الكبرى وبدر القتال ويوم الفرقان وهي غزوة وقعت فى السابع عشر من رمضان في العام الثانى من الهجرة بين المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبيلة قريش ومن حالفها من العرب بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشى، وتعد غزوة بدر أول معركة من معارك الإسلام الفاصلة، وقد سُميت بهذا الاسم نسبة إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها، وبدر بئر مشهورة تقع بين مكة والمدينة المنورة، وقد بدأت المعركة بمحاولة المسلمين اعتراض عير لقريش متوجهة من الشام إلى مكة يقودها أبو سفيان بن حرب، ولكن أبا سفيان تمكن من الفرار بالقافلة، وأرسل رسولا إلى قريش يطلب عونهم ونجدتهم، فاستجابت قريش وخرجت لقتال المسلمين، وكان عددُ المسلمين فى غزوة بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، معهم فَرَسان وسبعون جملاً، وكان تعداد جيش قريش ألف رجل معهم مئتا فرس، أى كانوا يشكلون ثلاثة أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد تقريبا.

وانتهت غزوة بدر بانتصار المسلمين على قريش وقتل قائدهم عمرو بن هشام، وكان عدد من قتل من قريش فى غزوة بدر سبعين رجلا وأسر منهم سبعون آخرون، أما المسلمون فلم يقتل منهم سوى أربعة عشر رجلا، ستة منهم من المهاجرين وثمانية من الأنصار، وقد نتجت عن غزوة بدر عدة نتائج نافعة بالنسبة للمسلمين، منها أنهم أصبحوا مهابين في المدينة وما جاورها، وأصبح لدولتهم مصدر جديد للدخل وهو غنائم المعارك، وبذلك تحسن حال المسلمين المادى والاقتصادى والمعنوى، وكان قائد القافله لقريش أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهو من سادات قريش قبل الإسلام، وهو والد معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية، وكان تاجرا واسع الثراء، وزعيم أشراف قريش الذين عارضوا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته، فقد عادى أبو سفيان بن حرب الإسلام والمسلمين، وكان قائد جيش المشركين في غزوة أحد، وقائد جيوش الأحزاب فى غزوة الخندق وأمر بحصار المدينة فى غزوة الخندق.

وقد هادن المسلمين فى صلح الحديبية، ثم أسلم عند فتح مكة، ورفع النبى صلى الله عليه وسلم من شأنه، فأمن كل من يدخل داره، وولاه على نجران ثم خرج مع المسلمين في فتوحهم وغزواتهم فاشترك في حنين والطائف، ففقئت عينه يوم الطائف، ثم فقئت الأخرى يوم اليرموك، فعمى، وتوفي عن عمر يناهز ثمانى وثمانين سنه فى العام الواحد والثلاثين من الهجرة، وكان أبو سفيان قبل الإسلام أحد رجال قريش الكبار، وصارت إليه راية الرؤساء فى قريش بعد مقتل أبى جهل فى غزوة بدر، وكان من رؤساء المشركين فى حرب الإسلام فى بدء الدعوة النبوية وقاد قريش في حربهما المسلمين يوم أحد ويوم الخندق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج ابنته أم حبيبة وأبو سفيان لا يزال مشرك، وأقرّ أبو سفيان زواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها، فكان بذلك حمو النبى صلى الله عليه وسلم، وقد أسلم أبو سفيان يوم فتح مكة سنة ثمانية للهجرة، وعقب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “من دخل البيت الحرام كان آمنا.

ومن دخل دار أبى سفيان كان آمنا” وحسُن إسلامه برأى معظم المؤرخين وأصحاب السير، فقد جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لما اسلم وقال يا رسول الله مرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم “نعم” قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال صلى الله عليه وسلم “نعم” ثم سأل أن يزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته، وهى عزة بنت أبي سفيان واستعان على ذلك بأختها أم حبيبة، فلم يقع ذلك، وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يحل له، وشهد حُنين مع النبى صلى الله عليه وسلم، وأعطاه من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية، ثم شهد فتح الطائف معه صلى الله عليه وسلم، ثم شهد اليرموك تحت راية ولده يزيد بن أبي سفيان وهو فى عمر اثنين وسبعين سنة، وتوفي أبو سفيان بالمدينة المنورة فى السنة الواحد والثلاثين من الهجرة، وله نحو ثمانى وثمانين أو قيل تسعين سنة، وصلى عليه الخليفة عثمان بن عفان، وقيل ابنه معاوية بن أبي سفيان، ودفن فى البقيع.

قد يعجبك ايضا
تعليقات