القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

معاذ بن جبل الجزء الثانى

110

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع الصحابى الجليل معاذ بن جبل، وقد طعن ابناه فقال كيف تجدانكما؟ قالا يا أبانا “الحق من ربك فلا تكونن من الممترين” قال وأنا ستجداني إن شاء الله من الصابرين،
ثم طعنت امرأتاه فهلكتا وطعن هو في إبهامه فجعل يمسها بفيه ويقول ” اللهم إنها صغيرة فبارك فيها فإنك تبارك في الصغيرة حتى هلك” واتفق أهل التاريخ أن معاذ بن جبل مات في طاعون عمواس بناحية الأردن من الشام سنة ثماني عشرة، واختلفوا في عمره على قولين أحدهما هو ثمان وثلاثون سنة، والثانى هو ثلاث وثلاثون، وقد أسلم معاذ بن جبل وعمره ثمانى عشر سنة، وشهد بيعة العقبة الثانية، وهو شابا أمردا لم تنبت لحيته بعد، ولما أسلم تولى معاذ مع ثعلبة بن عنمة وعبد الله بن أنيس تكسير أصنام بنى سلمة، ولما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم، آخى بين معاذ وعبد الله بن مسعود، وقد شهد معاذ بن جبل غزوة بدر وعمره عشرون سنه أو قيل واحد وعشرون سنة، ثم شهد مع النبى صلى الله عليه وسلم، باقي المشاهد كلها.

ولما فتح النبى صلى الله عليه وسلم، مكة فى رمضان فى السنة الثامنه من الهجرة، استخلف عليها عتاب بن أسيد يصلى بهم، وخلف معاذا يقرئهم القرآن، ويفقههم في دينهم ثم بعثه فى ربيع الآخر فى السنة التاسعة من الهجرة عاملا له على بعض نواحى اليمن، ثم عاد وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى الشام، فشهد الفتح الإسلامي للشام، وشارك في معركة اليرموك، وقال محمد بن كعب القرظى في سبب خروجه إلى الشام، جمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار معاذ وعبادة وأُبي وأبو أيوب وأبو الدرداء، فلما كان عمر، كتب يزيد بن أبي سفيان إليه إن أهل الشام كثير، وقد احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فقال أعينوني بثلاثة، فقالوا هذا شيخ كبير،لأبى أيوب، وهذا سقيم لأبيّ بن كعب، فخرج الثلاثة إلى الشام، فقال ابدءوا بحمص، فإذا رضيتم منهم، فليخرج واحد إلى دمشق، وآخر إلى فلسطين، ولما أصيب أبو عبيدة بن الجراح والي الشام في طاعون عمواس، استخلف معاذ بن جبل، فماتت زوجتيه.

ثم ولديه، ثم مات هو في نفس الطاعون، وكان معاذ طويلا، حسن الثغر، عظيم العينين، أبيض، جعد، قطط، مجموع الحاجبين، به عرج، وقال أنس بن مالك رضى الله عنه جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار، أبي بن كعب وزيد ومعاذ بن جبل وأبو زيد أحد عمومتى، وروى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبى صلى الله عليه وسلم قوله “خذوا القرآن من أربعة، من ابن مسعود وأبي ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة” وقد أثنى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على معاذ بن جبل، فقد روى أنس بن مالك عن النبى محمد قوله “أرحم أمتي بأمتى أبو بكر، وأشدها فى دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، وأفرضهم زيد، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة” وقال الصنابحي أنه سمع معاذ يقول ” لقينى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ” يا معاذ، إني لأحبك في الله” قلت ” وأنا والله يا رسول الله أحبك في الله” وقال النبى صلى الله عليه وسلم.

“معاذ أمام العلماء يوم القيامة برتوة أو رتوتين” وقال أبو هريرة رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول “نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل جعفر، نعم الرجل ثابت بن قيس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح” وكما كان معاذ بن جبل من قلة ممن سُمح لهم الفتيا على عهد النبى صلى الله عليه وسلم، فقال سهل بن أبي حثمة “كان الذين يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من المهاجرين، عمر وعثمان وعلي، وثلاثة من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ وزيد” وكما كان لمعاذ منزلته بين صحابة النبى صلى الله عليه وسلم، فعندما خطب عمر بن الخطاب الناس بالجابية، قال “من أراد الفقه، فليأت معاذ بن جبل” وقال عبد الله بن مسعود “إن معاذ بن جبل، كان أمة قانتا لله حنيفا، ولم يك من المشركين” وكما قال أبو إدريس الخولانى ” دخلت مسجد حمص، فإذا فيه نحو من ثلاثين كهلا من الصحابة.

فإذا فيهم شاب أكحل العينين، براق الثنايا ساكت، فإذا امترى القوم، أقبلوا عليه، فسألوه، فقلت من هذا؟ قيل هو معاذ بن جبل، فوقعت محبته فى قلبى، وبعد وفاة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، شارك معاذ فى الفتح الإسلامى للشام، وتوفى فى الأردن في طاعون عمواس، وهو طاعون وقع في ولاية بلاد الشام الإسلامية التابعة للخلافة الراشدة في أيام خلافة عمر بن الخطاب فى السنة الثامنة عشر من الهجرة، بعد فتح بيت المقدس، وسُميت هذه السنة بعام الرمادة لما حدث بها من المجاعة فى المدينة المنورة أيضا ويعتبر هذا الطاعون أحد امتدادات طاعون جستنيان، وهو أول وباء يظهر في أراضى الدولة الإسلامية، وبدأ الطاعون في عمواس، وهى قرية قرب بيت المقدس، فسمى طاعون عمواس، ثم انتشر في بلاد الشام وكان عمر بن الخطاب يهم بدخول الشام وقتها، فنصحه عبد الرحمن بن عوف بالحديث النبوى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم” إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا فرارا منه”

فعاد عمر وصحبه إلى المدينة المنورة، وحاول عمر بن الخطاب إخراج أبي عبيدة بن الجراح من الشام حتى لا يُصاب بالطاعون فطلبه إليه، لكن أبا عُبيدة أدرك مراده واعتذر عن الحضور حتى يبقى مع جنده، فبكى عمر، ويبدو أن الطاعون انتشر بصورة مريعة، عقب المعارك التى حدثت في بلاد الشام، فرغم أن المسلمين كانوا يدفنون قتلاهم، فإن عشرات آلاف القتلى من البيزنطيين بقيت جثثهم في ميادين القتال من غير أن تدفن، حيث لم تجد جيوشهم المنهزمة دائما الوقت الكافى لدفن القتلى واستمر هذا الطاعون شهرا، مما أدى إلى وفاة خمسة وعشرين ألفا من المسلمين وقيل ثلاثين ألفا، بينهم جماعة من كبار الصحابة أبرزهم أبو عبيدة بن الجراح وقد دُفن في “عمتا” وهي قرية بغور بيسان، ومعاذ بن جبل ومعه ابنه عبد الرحمن، ويزيد بن أبى سفيان، وشرحبيل بن حسنة، والفضل بن العباس بن عبد المطلب، وأبو جندل بن سهيل، وقيل أن الطاعون أصاب البصرة أيضا فمات به بشر كثير، وبعد انحسار طاعون عمواس، خرج عمر بن الخطاب.

من المدينة المنورة متجها نحو بلاد الشام عن طريق أيلة، فلمّا وصلها قسّم الأرزاق وسمّى الشواتى والصوائف وسد فروج الشام وثغورها، واستعمل عبد الله بن قيس الحارثى على السواحل ومعاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها ثم قسم مواريث الذين ماتوا، بعد أن حار أمراء الجند فيما لديهم من المواريث بسبب كثرة الموتى وطابت قلوب المسلمين بقدومه بعد أن كان العدو قد طمع فيهم أثناء الطاعون، ويرتبط طاعون عمواس في كتب التراث الإسلامي مع الحديث النبوي التى يذكر فيه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ست علامات من علامات الساعة الصغرى، أولها موت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ثم فتح بيت المقدس ثم ” موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ” وهو ما فُسِّر بطاعون عمواس، وهكذا كان طاعون عمواس نسبة إلى بلدة عمواس في جند فلسطين بين الرملة وبيت المقدس، وقال الزمخشرى “هى كورة من فلسطين بالقرب من بيت المقدس” وقال المهلبى ” كورة عمواس هي ضيعة جليلة على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس.

قد يعجبك ايضا
تعليقات