القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

رمضان والقيروان ” الجزء الخامس “

99

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس من رمضان والقيروان، وكان إبراهيم بن أحمد سفاحا لم تسلم منه عامة الناس ولا أقرب الناس إليه وكان غدره بسبعمائة من أهل بلزمة سنة مائتان وثمانون هجريا، سببا من أسباب سقوط دولة بني الأغلب، وفى نفس السنة شقت عصا الطاعة فى وجه هذا الأمير مدن تونس، وباجة، وقمودة، وغيرها، وعمت الفوضى أرجاء البلاد بينما الخطر العبيدي الشيعى يزداد يوما بعد يوم ولما أيقن إبراهيم بن أحمد بخطر بني عبيد حاول سنة مائتان وتسعه وثمانون هجريا، قام تغيير سياسته، فرفع المظالم، واستمال الفقهاء، وبذل الأموال للشعب ولكن بدون جدوى، وفى عهد حفيده زيادة الله ازداد خوف بغداد واشتد جزعها من الزحف العبيدى فبعث الخليفة العباسي المكتفى بالله يحث أهل إفريقية على نصرة زيادة الله فلم يكن لذلك صدى فى النفوس وبذل زيادة الله الأموال بلا حساب ولكن دون جدوى، فلم يمض على هذا الحادث سوى ثلاث سنوات حتى جاءت معركة الأربس الحاسمة سنة مائتان وسته وتسعين هجريا.

وفر على إثرها زيادة الله إلى المشرق ومعه وجوه رجاله وفتيانه وعبيده، وباستيلاء العبيديين على القيروان جمعوا كل المغرب تحت سيطرتهم فشجعهم ذلك على متابعة السير نحو المشرق، وأمكن لهم فيما بعد أن يستولوا على مصر والشام والحجاز، ولولا الظروف السياسية والوضع الداخلى للفاطميين لاستولوا على بغداد نفسها، وعندما انتقل بنو عبيد إلى مصر ووصل المعز لدين الله الفاطمي القاهرة عام ثلاثة مائة واثنين وستين هجريا اهتموا بالقيروان واتخذوها مركزا لنائبهم في إفريقية، وعهدوا إليه بالسهر على حفظ وحدة المغرب والسيطرة عليه، واستخلف المعز الفاطمى بلكين بن زيرى الصنهاجى على إفريقية، وكتب إلى العمال وولاة الأشغال بالسمع والطاعة له فأصبح أميرا على إفريقية والمغرب كله، وقام بلكين وخلفاؤه بقمع الثورات التى حصلت خاصة فى المغرب فى قبائل زنانة واستمر المغرب فى وحدته الصنهاجية وتبعيته إلى مصر الفاطمية إلى أن انقسم البيت الصنهاجى على نفسه فاستقل حماد الصنهاجى عن القيروان.

متخذا من القلعة التى بناها قاعدة لإمارته، وكان هذا الانقسام السياسى خير ممهد لظهور دولة المرابطين في المغرب الأقصى، كما كان لهذا الانقسام نتائجه الأليمة فيما بعد عندما أعلن المعز ابن باديس الصنهاجى استقلاله عن الفاطميين، فبعثوا إليه بقبائل الأعراب من الهلاليين فمزق شمل الدولة، وقضى على معالم الحضارة، وخربت القيروان، ولم تعد العاصمة السياسية القوية أو مركزا تشع منه المعارف والعلوم والآداب، وتقع مدينة القيروان فى شمال ووسط تونس، وهى إحدى المدن الإسلامية المقدسة، وتمتد مدينة القيروان على طول السهول الطمية المنخفضة فى الأراضى التونسية، وتشتهر مدينة القيروان باقتصادها الذى يعتمد على الزراعة من المقام الأول، حيث تشكل الحبوب المصادر الرئيسية الإيرادات الرئيسية للمدينة، كما تشتهر المدينة بمنتجاتها الجلدية، وإنتاج الزيتون، وأدوات السيراميك، والحرف اليدوية المحلية، وكذلك السجاد الرائع الذى يستحق الشراء، ولقد عزل معاوية بن أبى سفيان معاوية بن حديج الكندي عن إفريقية.

واقتصر به على ولاية مصر، وولى إفريقية عقبة بن نافع بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية، وكان مولده فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم وكان مقيما بنواحى برقة وزويلة منذ تولية عمرو بن العاص رضي الله عنه له، فجمع إليه مَن أسلم من البربر وضمهم إلى الجيش الوارد من قِبل معاوية، وكان جيش معاوية عشرة آلاف وسار إلى إفريقية ونازل مدنها، فافتتحها عنوة ووضع السيف فى أهلها، وأسلم على يده خلق من البربر، وفشا فيها دين الله حتى اتصل ببلاد السودان، وقد نظر عقبة فى أحوال إفريقية نظر الحاذق البصير فرأى أنه لن يستقيم لها أمر إلا باستقرار المسلمين فيها بصفة نهائية، لا كما يفعل مَن سبقه من القادة، فيقول عقبة في هذا إن إفريقية إذا دخلها إمام أجابوه إلى الإسلام، فإذا خرج منها رجع مَن كان أجاب منهم لدين الله إلى الكفر، وأرى لكم معشر المسلمين أن تتخذوا بها مدينة نجعل فيها عسكرا، وتكون عز الإسلام إلى آخر الدهر، فبنى لهم مدينة القيروان، وقد رأى عقبة أن من أسباب تراجع المسلمين عن إفريقية.

هو طول خط المواصلات بينهم وبين أقرب مرتكز لهم وهو الفسطاط، فاستقر رأيه على أن خير وسيلة للاستقرار بالمغرب إنما تكمن فى الاحتفاظ بجيش دائم، وأن ذلك يستدعى إنشاء مدينة جديدة تكون مقر عسكر المسلمين وموطن أهلهم، فاختار لذلك موقعا له ميزات عديدة من حيث الحرب والاقتصاد والمواصلات، فأنشأ القيروان فى رقعة تكفى لتموين الحامية ومن معها، بعيدة عن الساحل بحيث لا ينالها الأسطول الرومى، وفى نفس الوقت تكون مواجهة لجبل أوراس الذى كثيرا ما قاوم سكانه الفاتحين من قبل، واستصوب صحابة عقبة بن نافع رأيه، فجاؤوا إلى موضع القيروان، وهى فى طرف البر وهى أجمة عظيمة وغيضة لا يشقها الحيات من تشابك أشجارها، وقد أمر عقبة بن نافع أصحابه بالبناء فقالوا هذه غياض كثيرة السباع والهوام فنخاف على أنفسنا هنا، وكان عقبة مستجاب الدعوة، فجمع من كان فى عسكره من الصحابة رضوان الله عليهم جميعا وكانوا ثمانية عشر ونادى أيتها الحشرات والسباع.

نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فارحلوا عنا فإنا نازلون، فمن وجدناه بعد قتلناه، فنظر الناس يومئذ إلى أمر هائل، كان السبع يحمل أشباله والذئب يحمل أجراءه والحية تحمل أولادها وهم خارجون أسرابا أسرابا، فحمل ذلك كثيرا من البربر على الإسلام، وتعتبر مدينة القيروان من أقدم وأهم المدن الإسلامية، بل هى المدينة الإسلامية الأولى فى منطقة المغرب ويعتبر إنشاء مدينة القيروان بداية تاريخ الحضارة العربية الإسلامية فى المغرب العربى، فلقد كانت مدينة القيروان تلعب دورين مهمين فى آن واحد، هما الجهاد والدعوة، فبينما كانت الجيوش تخرج للغزو والتوسعات، كان الفقهاء يخرجون منها لينتشروا بين البلاد يعلمون العربية وينشرون الإسلام فهى بذلك تحمل فى كل شبر من أرضها عطر مجد شامخ وإرثا عريقا يؤكده تاريخها الزاهر ومعالمها الباقية التى تمثل مراحل مهمة من التاريخ العربى الإسلامى، ولقد بقيت القيروان نحو أربعة قرون عاصمة الإسلام الأولى لإفريقية والأندلس ومركزا حربيا للجيوش الإسلامية.

ونقطة ارتكاز رئيسية لإشاعة اللغة العربية، وعندما تذكر القيروان يُذكر القائد العربى الكبير عقبة بن نافع الفهرى وقولته المشهورة عندما بلغ فى توسعاته المحيط الأطلسى وهو يرفع يده إلى السماء ويصرخ بأعلى صوته ” اللهم أشهد أنى بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت فى البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يُعبد أحد من دونك” وقد جمع عقبة بن نافع بعد انتهائه من بناء مدينة القيروان وجوه أصحابه وأهل العسكر فدار بهم حول مدينة القيروان، وأقبل يدعو لها ويقول فى دعائه ” اللهم املأها علما وفقها واعمرها بالمطيعين والعابدين، واجعلها عزا لدينك وذلا لمن كفر بك، وأعز بها الإسلام” فقد كانت القيروان هى أول المراكز العلمية فى المغرب، تليها قرطبة فى الأندلس، ثم فاس فى المغرب الأقصى، وهكذا تأخّر الفتح الإسلامي للمغرب لبُعده عن دار الخلافة وانشغال المسلمين بالفتن نهاية عهد الخلافة الراشدة، وعلى طول هذه السنين شهدت مناطق المغرب العديد من الحملات التي انطلقت من مصر وبرقة.

قد يعجبك ايضا
تعليقات