القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

دنيا ودين ومع رمضان شهر الجهاد والصبر ” الجزء الثامن “

98

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع رمضان شهر الجهاد والصبر، وقد توقفنا عند الإنتصار فى رمضان على آفات اللسان، ومن آفات اللسان هو الغيبة، وهي كبيرة من كبائر الذنوب، يصلى الإنسان ويصوم ويتصدق ولكن يهدى الحسنات إلى فلان من الناس وإلى علان من الناس، وقد جاء فى الحديث المرأة التى قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنها تكثر الصلاة الصيام والصدقة، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “هي في النار، هي في النار” وأين من يطلقون ألسنتهم بالسب والشتم لأولياء الله وإلى عباد الله؟ ألا يتقي الله أولئك الذين أطلقوا لألسنتهم العنان يتكلمون بما شاؤوا، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول “إياكم والغيبة” قالوا يا رسول الله وما الغيبة؟ قال “الغيبة ذكرك أخاك بما يكره” والله الذى لا إله غيره إن من الغبن أن تأتي يوم القيامة وترى أعمالك الصالحة في ميزان غيرك، ترى من أعمالك الصالحة من صلاة ودعاء واستغفار في ميزان أولئك الذين أطلقت لسانك في سبهم وشتمهم، فاتقوا الله.

 

ومن آفات اللسان هى النميمة، وهى نقل الكلام بين الناس للإفساد بين الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول “لا يدخل الجنة نمام” رواه البخارى ومسلم، ويقول تعالى فى سورة القلم ” ولا تطع كل حلاف مهين، هماز مشاء بنميم” فهو ينقل النميمة بين الناس، فكم من زوج وزوجة تفرقوا بسبب النميمة؟ وكم من صديق وصديق تفرقوا بسبب النميمة؟ وكم من البيوت هُدمت بسبب النميمة؟ ألا فليتق الله أولئك الذين ينقلون الكلام ويفسدون بين الناس، وربما بين الأقارب، ومن آفات اللسان هو السخرية واستنقاص الناس، يستنقصونهم لبلدهم أو لحسبهم أو لنسبهم، أو لغير ذلك، فلا تلمز أحدا ولا تستنقص أحدا، فقالت السيدة عائشة رضى الله عنها “يا رسول الله عن صفية، حسبك من صفية أنها قصيرة؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم “لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته” فأين الذين يستهزؤون بالناس وبالمدن وبالعشائر وبالقبائل ويغتابون غيبة جماعية ويسخرون سخرية جماعية؟ ألا فليراجع كل واحد منا نفسه ويحاسب نفسه على لسانه.

 

فقد أخرج أبو بكر الصديق رضى الله عنه لسانه وقال “هذا الذى أوردنى الموارد” وأنتم تعرفون من هو أبو بكر في علمه وزهده وتقواه وورعه، ويقول هذه الكلمة؟ وابن عباس رضى الله عنهما يقول عن لسانه “قل خيرا تسلم وإن لم تفعل فاعلم بأنك ستنطق الخير تغنم أو اسكت عن سوء تسلم وإلا فاعلم أنك ستندم” وابن مسعود رضى الله عنه يقول “ما من شيء أحوج إلى طول سجن من اللسان” وعمر بن الخطاب رضى الله عنه كذلك يحذر من أن يطلق اللسان أن يتكلم بما شاء، يقول “من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه فالنار أولى به” وقال ابن عباس رضي الله عنهما مر النبى صلى الله عليه وسلم على قبرين, فقال “إنها ليعذبان” أى في القبر “وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة” رواه البخاري ومسلم، أى يمشى بين الناس سعيا في نشر الخلاف والمشاكل بين الناس، ليتقاتلوا ويختلفوا، وقال النبى صلى الله عليه وسلم “إن الرجل ليدنو من الجنة حتى ما يكون بينه وبينها قيد ذراع فيتكلم بالكلمة، فيتباعد منها أبعد من صنعاء” روه أحمد.

 

فاللسان من النعم العظيمة التى حار الأطباء فى خلقه العجيب, بل فى كل ما خلق الله من العقل, والعين, والبصر واليد، فلو قبضها الله فمن الذي يبسطها غيره؟ ولو سلب منك البصر فمن يعيده إليك؟ ولو سلب منك اللسان من يعطيك مثلها ؟ وللنظر إلى فعل البشر اليوم فى العمليات التجميلية ماذا يفعلون؟ وماذا عساهم أن يصنعوا؟ فيقول تعالى فى سورة لقمان “هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه” فاللسان عضو صغير، لكنه يقود إلى الجنة أو إلى النار، ولو نظرت إليه لعجبت لحجمه وشكله، لكن لو تذكرت فعله لعرفت ماذا يفعل، لو استمعت إلى صوته وعبارته بهرتك تلك الأصوات، وتلك العبارات من أصوات جميلة، ومرتفعة وقوية، ذلك اللسان خلقه الله لكل ناطق من الحيوان وجعل لكل حيوان لغة ومنطقا وصوتا يميزه عن غيره، لكنه عز وجل يميز كل الأصوات على اختلافها وتنوعها وتباينها، يسمع الى النملة على صغر حجمها ويسمع إلى الفيل على قوة وضخامة بدنه ويسمع أصوات من في البحار وأصوات من فى الأودية.

 

والجبال والقفار، فخلق الإنسان ويسمع ما يقول وخلق الحيوانات، وميز بين أصواتها حتى عجز الإنسان أن يحصيها لكنه يسمعها جميعا عز وجل، ويعرف ما تريد فقد تستوى عند البشر أصوات العصافير أو أصوات الدواب أو أصوات الناس، لكن الخالق يميز بينهم، يجتمع الملايين في موطن واحد في يوم عرفة، فيرفعون أصواتهم ويخفضونها، لكنه تعالى يسمع كل الأصوات، ويفهم كل اللغات، ومن لم يكن له صوت يرفعه، ولسان ينطق به، فهو أبكم لا يتكلم إلا بقلبه، فالله عز وجل يعرف حاجته، ويعلم مسألته، فيقول تعالى ” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير” فإن هذا اللسان هو دليل على وحدانية الله عزوجل لأنه من آياته العظيمة، فيقول تعالى فى سورة الروم ” ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف السنتكم وألوانكم إن فى ذلك لآيات للعالمين” ولقد خلق الله اللسان ليعبر عما في القلب، فالله جعل لكل قوم لهجة ولسانا، حتى اللغة الواحدة فيها من اللهجات العدد الكثير، وإن اللسان له آفتان جامعتان، الكلام شيطان ناطق.

 

والسكوت شيطان أخرس، وإن تفصيل تلك الآفات يتجلى في أمور، وهى قد يكفر الإنسان بلسانه، فيخرج من دين الله إلى الكفر، بسبب كلمة لا يلقى لها بالا، فقال صلى الله عليه وسلم”إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يتبين فيها، يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة” رواه أحمد، لذلك قال صلى الله عليه وسلم لمن استوصاه “امسك عليك لسانك” وبهذا اللسان دخل المسلم الدين، وبه قد يخرج منه، فقال معاذ رضي الله عنه “يا رسول الله أو نحن مؤاخذون بما نتكلم به؟ قال “ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟” رواه أحمد، والترمذى، أى إلا بسبب هذا اللسان، فكم من رجل قال كلمة كفر، فكتب الله عليه بها سخطه وغضبه إلى يوم يلقاه، وإن من أنواع الكفر باللسان هو الاستهزاء والسخرية بهذا الدين، واسمع إلى ما جرى فى غزوة تبوك التي كان فيها النبى صلى الله عليه وسلم قائدا، فقد قام أناس يسيرون في قافلة النبى صلى الله عليه وسلم، فقالوا بألسنتهم عن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم.

 

“ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء” أى أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم “أرغب بطونا ولا أجبن عند اللقاء” أى أن الصحابة لا يهمهم إلا الطعام وكذلك هم جبناء في القتال، فهذه كلمة سخروا بها ممن رضي الله عنهم، فأنزل الله على النبى صلى عليه وسلم، وهو على ناقته فى سورة التوبة” قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهئزون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم” وهذا هو انتصارا لأولياء الله وأخذ الحق للصالحين، ثم إن هؤلاء القوم الذين تكلموا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحقوا بالنبى صلى الله عليه وسلم لما سمعوا الآية، فطلبوا منه أن يستغفر لهم، فكان جوابه ” أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهئزون” أى كنتم تسخرون وتضحكون، فكيف سيلاقى الله من إذا رأى الصالحين سخر من لباسهم أو من لحيتهم أو سواكهم؟ وكيف سيجد الله من يرى المرأة المتحجبة التي تحجبت طاعة لله، وحبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفظت نفسها ولم تدنس شرفها، فيقول انظر إلى هذه الخيمة المتحركة، وكيف سيقابل الله من سخر من كتاب الله؟ أو سخر من رسول الله؟

قد يعجبك ايضا
تعليقات