القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

من ثمار رمضان.. العتق من النيران

104

بقلم د/ محمد بركات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

من جماليات وبركات شهر رمضان المبارك أنه شهر تعتق فيه الرقاب من النار، فلله عتقاء في كل ليلة من لياليه.

ففي الحديث عن نبيِّنا – صلى الله عليه وسلم – قوله: (إنَّ لله عتقاءَ في كلِّ يوم وليلة، لكلِّ عبد منهم دعوةٌ مستجابة)، أي: في رمضان.
(حديث صحيح، رواه الإمام أحمد في مسنده (7450).

، وعن أبي هريرة أو أبي سعيد – رضي الله عنهما – شكَّ الراوي، والشكُّ في اسم الصحابي لا يضُر، وسنده صحيح على شرط الشيخين.
وورد بلفظ: (لله عتقاء من النار، وذلك كلَّ ليلة)

و عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في فضائل خاصة بشهر رمضان .
(رواه الترمذي: (682)، وابن ماجه: (1642)، وصحَّحه ابن خُزَيْمة: (1883)، وابن حِبَّان: (3435)، والحاكم: (1/ 421)، وله شواهد منها :

ما جاء عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعًا: (إن لله – عز وجل – عند كل فطر عتقاء)
(رواه أحمد في المسند: (22202)، والبيهقيُّ في “شُعَب الإيمان”: (3605)، وقال الإمام المُنذري في “الترغيب والترهيب”: “بإسنادٍ لا بأس به”.

، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه مرفوعًا: (إن لله عند كل فطرٍ عتقاءَ، وذلك في كل ليلة)
(رواه ابن ماجه: (1643)، وقال الحافظ البُوصيري: “رجال إسناده ثقات”.

، وعن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه مرفوعًا: (إن لله – تبارك وتعالى – عتقاء في كل يوم وليلة – يعني: في رمضان – وإن لكل مسلم في كل يوم دعوةً مستجابة))، أخرجه البزار: (962) من “كشف الأستار”، وفي سنده أبان بن أبي عيَّاش وهو ضعيف، وليُنظر: “مجمع الزوائد”: (3/ 143)، و(10/ 149).

وعن ابن مسعود رضي الله عنهما مرفوعًا: (لله – تعالى – عند كل فطر من شهر رمضان كلَّ ليلة – عتقاءُ من النار ستون ألفًا، فإذا كان يومُ الفطر أَعتَقَ مثل ما أعتق في جميع الشهر ثلاثين مرة ستين ألفًا)
( رواه البيهقيُّ في “شُعَب الإيمان”: (3606)، وقال المُنذري: “وهو حديث حسن لا بأس به في المتابعات”).
فهذه أحاديثُ أربعةِ صحابةٍ تُضاف إلى حديث أبي هريرة – رضي الله عنهم جميعًا.

، وهذه الأحاديث الشريفة تفيد حقيقتين مهمتين جدًّا للصائمين في رمضان:

الحقيقة الأولى: كَثْرة العتقاء من النار في أيام الصوم في رمضان بمغفرة ذنوبهم، وقَبول عبادتِهم، وحفظهم من المعاصي التي هي أسباب العذاب، وهذا الوعد بهذا الكسب العظيم يَشْحَذُ هِمَمَ الصائمين للتسابق إلى إحسان عبادتهم، وإخلاص صيامهم، وعِمارة أوقاتهم بما يزيد قُرْبَهم من ربهم، عسى أن يفوزوا بكَرَمه بالعتق من النار.

والحقيقة الثانية: أن لكل عتيق دعوةً مستجابة، وهذا يُحمِّس الصائمين للإكثار من الدعاء وسؤال ربهم إجابةَ دعَوَاتهم، وتلبية حوائجهم، وتفريج كُرَبهم، وتحقيق أمنيَّاتهم، عسى إنْ كانوا من العتقاء أنْ تُستجاب دعواتُهم؛ فليتحرَّ الصائمون إخلاصَ الدعاء، خاصة عند الإفطار.

وللعتق أسبابه ومسبباته أهمها:
الإخلاص وهو أهم الأمور وأعظمها وهو سبب للعتق من النار:

قال صلى الله عليه وسلم: (لن يوافي عبد يوم القيامة يقول: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله إلا حرَّم الله عليه النار). (رواه البخاري)

والإخلاص أمره عجيب وهو فيصل مهم في عمل المرئ المسلم، والمتدبر لأحاديث فضل الصيام والقيام في رمضان يلحظ هذا الملمح المهم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً)

، (من قام رمضان إيماناً واحتساباً)
، (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً)، وهذا له دلالته الواضحة على أن الإخلاص في العمل يقود إلى (غفر له ماتقدم من ذنبه).

ومنها (البكاء من خشية الله) وهو باب عظيم لكل خير ففيه رقة القلب والجوارح فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، و لا يجتمع غبار في سبيل الله و دخان جهنم في منخري مسلم أبدا) (رواه الترمذي وغيره بسند صحيح)

، والبكاء من خشية الله كما لا يخفى على شريف علمكم سبب في أن يكون المرء تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، إنها أشرف الدمعات وأرقها وأرقاها، إنها الدمعة التي تغسل الخطايا والذنوب، إنها الدمعة التي في رضا الرب جل جلاله، ونحن في شهر رمضان شهر القرآن وتدبره، نقرأه ونسمعه في المساجد وفي وسائل الإعلام المتنوعة، حري بالمسلم والمسلمة أن يتدبروا كلام الله، وأن يقفوا عند الآيات ويحركوا بها قلوبهم، وهناك ليبشروا بالدمعة الخالصة التي تكون لله ومن خشية الله.

وكذلك ماجاء في حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم:(ما سأل رجل مسلم الله الجنة ثلاثا إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، و لا استجار رجل مسلم الله من النار ثلاثا إلا قالت النار: اللهم أجره منِّي) (رواه الإمام أحمد بسند صحيح).

إنه أعظم العبادات واشدها قربا إلي الله الدعاء، والتضرع إلى الله، إنه الالتجاء إلى الله، إنه الوقوف بين يدي الله، وتعجب حينما يأتي الله سبحانه وتعالى بآية تتحدث عن الدعاء في معرض حديثه عن آيات الصيام:

(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان).

اللهم ارزقنا بكل خير ترضاه لنا وعنا يا أرحم الرّاحمين، اللهم أدخلنا الجنة، اللهم أدخلنا الجنة، اللهم أدخلنا الجنة، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار.

اللهم اجعلنا من عتقاء شهْرِ رمضان المبارك يا أرحم الراحمين.

قد يعجبك ايضا
تعليقات