القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

فى طريق المعرفه ومع رمضان والإعجاز القرآنى ” الجزء الخامس”

99

 

إعداد / محمـــد الدكــروى

 

ونكمل الجزء الخامس مع رمضان والإعجاز القرآنى، وإن القرآن أبهر الناس بإعجازه وفصاحته وبراعة إيجازه فدانت له القلوب وتأثرت به النفوس وخضعت له المشاعر وانقادت لسماعه الأسماع، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه كان فى الجاهلية خصما عنيدا وعدوا لدودا للإسلام وللنبي صلى الله عليه وسلم فما لذي غيره؟ ومن الذي حوله؟ إنه القرآن عند ما قرأ ” طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى، الرحمن على العرش استوى له ما فى السماوات وما فى الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى” فتأثر عمر ورق قلبه ولان صدره حتى عرف الصحابة تأثير القرآن فى وجهه فطمعوا في إسلامه فاسلم متأثرا بالقرآن وببركة دعاء النبى صلى الله عليه وسلم له، وهذا هو النجاشى ملك الحبشة وكان رجل أعجمى ليس بعربى وقد سمع جعفر الطيار يقرأ عليه من سورة مريم.

 

” كهيعص، ذكر رحمت ربك عبده زكريا، إذ نادى ربه نداء خفيا، قال رب إنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا، وإنى خفت الموالى من ورائى وكانت امرأتى عاقر فهب لى من لدنك وليا، يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا” فلما سمع النجاشى هذه الآيات العظيمات بكى حتى أخضلت لحيته بدموعه ثم قال إن هذا أى القرآن والذى أنزل على عيسى ويقصد الإنجيل يخرج من مشكاة واحدة، وإن تعجب فأعجب من أبى جهل وأبي سفيان وغيرهم من صناديد قريش كانوا يتسللون في ظلمة الليل إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليسمعوه وهو يرتل القرآن ترتيلا ولهذا فإنهم عند ما تأكدوا أن لسماع القرآن تأثيرا كبيرا على النفوس قالوا للناس، كما جاء فى سورة فصلت ” وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون” فمن أراد أن يزيد من إيمانه ويقوى يقينه ويشد أزره ويرسي قدمه فعليه أن يتجه بكل مشاعره وأحاسيسه إلى كتاب ربه وأن يقبل بقلبه وقالبه على تلاوته وتدبره ليرتوى من معينه المعين.

 

فإنه كتاب مبارك مبين، ومن أراد أن يثبت في هذا الزمن الأسود على دينه من أراد أن يجد للعبادة حلاوتها وللطاعة لذتها فعليه بالقرآن فإن فيه صلاح القلوب وراحة النفوس ولذة العبادة وحلاوة الطاعة، فالقرآن هو كلام الله ووحيه فهو أفضل كتاب أنزل على خير رسول أرسل صلى الله عليه وسلم لم ينزل لنقرأه باللسان دون فهم وبيان ولم ينزل لنعلقه على مداخل البيوت والجدران ولم ينزل لنجعل منه حروزا تعلق على رقاب الأطفال والصبيان ولم ينزل لتفتتح به برامج القنوات والإذاعات ولم ينزل ليقرأ على الموتى في العزاء والمناحات وإنما هو كما قال تعالى فى سورة ص ” كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب” فالسعيد من صرف همته إليه ووقف فكره وعزمه عليه والموفق من وفقه الله لتدبره واصطفاه لتذكره فإنه حياة القلوب، فاقرءوه بتدبر وتفهم وإذا مررتم بآية رحمة فاسألوا الله من فضله وإذا مررتم بآية وعيد فتعوذوا بالله من أليم عذابه وعقابه وإذا مررتم بآية سجدة فاسجدوا ولا تنسوا حديث النبى صلى الله عليه وسلم.

 

“من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول “ألم ” حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف” فكم من الحروف في الورقة الواحدة، فلا نحرم أنفسنا من تلاوة القرآن وتدبر آياته وتذوق معانيه ولا نقتصر على قراءة القرآن فى يوم الجمعة فقط أو فى رمضان فقط فإن الله أنزل القرآن لعباده هاديا لهم يهديهم إلى الحق ودليلا لهم يدلهم إلى الصواب فبه يهتدون وبه يستشفون ولأوامره يتبعون ولنواهيه يجتنبون ولقصصه يعتبرون ولعبره ومواعظه يتعظون وكل هذا نحتاجه في رمضان وفى غير رمضان، فإن انشغال الدارسين بالقرآن الكريم على مر العصور هو وجه من وجوه الإعجاز، وكما قال مالك بن بني “بقى الإعجاز مع القرآن لأنه من جوهره، وليس من توابعه” وإن العناية بالقرآن الكريم ودراسته من أوجب الواجبات على القادرين من المسلمين فهو كتاب الله وحجته على عباده، وهو كلام الله الوحيد الذي يسمعه كل ما فى الكون، وهو أمانة بين أيدى المسلمين تكفل الله بحفظه، وهو تكريم كرمنا الله به،

 

وشرف شرفنا الحق به، والقرآن على الحقيقة لا تنقضي عجائبه، ولما أوغلت البشرية فى علومها المادية، وحققت الكشوف والانتصارات الباهرة، ازدادت حاجتها إليه لأنه يردها إلى الخالق العظيم، الذي صنع الموجودات كلها، وأودع فيها نظامها على النسق المبهر الذي يكتشفه الإنسان، وكلما قرأت قول الحق سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة يس ” أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين” رددت إلى الحقيقة البدهية التى غابت عن إنسان العصر، إن ما يقدمه الإنسان اليوم من الكشوف العلمية إنما هو استقراء لصفحة الكون، الذى أبدعه الخالق العظيم سبحانه وتعالى، فإن الكون بكامله مسخر للإنسان فسماوات سبع شداد، وسقف محفوظ، وشمس وقمر، ونجوم مسخرات، معين من طاقة السراج الوهاج، وشجرة للطاقة أنشأها الله، وسحاب مسخر بين السماء والأرض، وطير يمرح فى جو السماء، وقبة سماوية تبهج البصر، وبناء محكم للسماء، وغلاف جوى تستنشق منه الخلائق الأوكسجين، وتأخذ منه النباتات ثانى أكسيد الكربون.

 

وتحوله إلى خشب يكون مصدرا للطاقة، وتحترق فيه الشهب فلا تصيب الأرض، وسماء ذات رجع للماء وللأشعة الضارة بالإنسان، وعلى وجه العموم سماء بل سماوات بأبراجها ومجراتها وعوالمها، ما عرفنا منها وما لم نعرف، مسخرة لذلك المخلوق الذي استخلفه ربه في الأرض، فيقول تعالى كما جاء فى سورة الملك ” ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت” فانظر النظرة الأولى، وأتبعها بالثانية، ثم أتبع النظرتين بنظرات، نظرك عليل وحسير، فلا يوجد فى خلق الرحمن من تفاوت، بل استواء منزه عن كل نقص وعيب، ولكنا نرى في السماء صراعا بين البشر على حرب النجوم، وتجارب نووية مهلكة في الأرض وفى السماء، وثقبا لطبقة هامة من طبقات الغلاف الجوى، وسموما من الغازات تلوث الهواء، وفسادا فى الهواء بما كسبت أيدى الناس، أما الأرض فقد وضعها الله للأنام، وكل شيء فيها بمقدار، جعلت فيها الرواسى، وبورك فيها، وأودع فيها خالقها العظيم أقواتها، وأخرج منها الماء والمرعى، وشق فيها الأنهار.

 

وسخر فيها البحار، وألقى فيها الرواسي، وذرأ فيها الثروات، فهى الفراش والمهاد، وهي المستقر والمستودع، وعليها وفيها بثت الدواب، أنعامها دفء ومتاع، وأثاث ومأكل ومشرب، ومن دوابها ركوب، فيها من كل زوج بهيج، ماؤها هو الحياة، ولقد خلق الله كل ما فى الأرض صالحا، فلماذا أفسدت أيها الإنسان ذلك الصلاح، فاستنزفت ثرواتها استنزافا، ولوثت هواءها ومياهها تلويثا، وها أنت أيها الإنسان تغير في مخلوقات الله، وقد أمرك ربك ألا تفسد فيها فأفسدت، فظهر الفساد في البر والبحر، وكنت أنت السبب، فتجرع صنيعك، ذق ما كسبت، وأى كسب جعلك تضحى بالهواء فتلوثه، وبالماء العذب فتفسده، وبأزواج النبات البهيج فتحرقه، وتقطع الأشجار والغابات، وتأتي على التربة الخيرة فتجرفها، فإن خير ربنا إلى الناس نازل، وشرهم إليه صاعد، فيا أيها الإنسان الكادح البائس، هل لك غير الأرض موئل؟ ليس أمام المفسدين إلا أن يمدوا بسبب إلى السماء حتى ينقطع غيظهم، فما هو المخرج من ذلك النفق المظلم الذى يحفره الإنسان لنفسه؟ إن المخرج هو العودة والرجوع إلى الله.

قد يعجبك ايضا
تعليقات