القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

فى طريق المعرفه ومع رمضان شهر القرآن ” الجزء السادس “

82

 

إعداد / محمـــد الدكــروى

 

ونكمل الجزء السادس مع رمضان شهر القرآن، وإن فضل رمضان عظيم، وثوابه جسيم، يدل على ذلك معنى الاشتقاق من كونه محرقا للذنوب، ولقد فرض الله صيام شهر رمضان أى مدة هلاله، وبه سمى الشهر، كما جاء فى الحديث ” فإن غمي عليكم الشهر” أى الهلال، وفرض علينا عند غمة الهلال إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما، وإكمال عدة رمضان ثلاثين يوما، حتى ندخل في العبادة بيقين ونخرج عنها بيقين، فقال تعالى فى كتابه ” وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم” وقد روى الأئمة الأثبات عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدد في رواية فإن غمى عليكم الشهر فعدوا ثلاثين” وقد ذهب مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو من كبار التابعين وابن قتيبة من اللغويين فقالا يعول على الحساب عند الغيم بتقدير المنازل واعتبار حسابها في صوم رمضان، حتى إنه لو كان صحوا لرئي، لقوله صلى الله عليه وسلم” فإن أغمى عليكم فاقدروا له أى استدلوا عليه بمنازله.

 

وقدروا إتمام الشهر بحسابه” وقال الجمهور معنى فاقدروا له فأكملوا المقدار، يفسره حديث أبى هريرة “فأكملوا العدة” وقيل فى معنى قوله ” فاقدروا له ” أى قدروا المنازل، وهذا لا نعلم أحدا قال به إلا بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين، والإجماع حجة عليهم، وقد روى ابن نافع عن مالك في الإمام لا يصوم لرؤية الهلال ولا يفطر لرؤيته، وإنما يصوم ويفطر على الحساب وإنه لا يقتدى به ولا يتبع، قال ابن العربى وقد زل بعض أصحابنا فحكى عن الشافعي أنه قال يعول على الحساب ، وهى عثرة ” لا لعا لها ” وقد اختلف مالك والشافعى هل يثبت هلال رمضان بشهادة واحد أو شاهدين، فقال مالك لا يقبل فيه شهادة الواحد لأنها شهادة على هلال فلا يقبل فيها أقل من اثنين، أصله الشهادة على هلال شوال وذي الحجة، وقال الشافعي وأبو حنيفة يقبل الواحد، لما رواه أبو داود عن ابن عمر قال تراءى الناس الهلال فأخبرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه، رواه الدارقطنى.

 

وروى الدارقطنى ” أن رجلا شهد عند علي بن أبي طالب على رؤية هلال رمضان فصام، أحسبه قال وأمر الناس أن يصوموا ” وقال أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن أفطر يوما من رمضان، وقال الشافعي فإن لم تر العامة هلال شهر رمضان ورآه رجل عدل رأيت أن أقبله للأثر والاحتياط ، وقال الشافعي بعد لا يجوز على رمضان إلا شاهدان، وقال الشافعى وقال بعض أصحابنا لا أقبل عليه إلا شاهدين، وهو القياس على كل مغيب، واختلفوا فيمن رأى هلال رمضان وحده أو هلال شوال، فروى الربيع عن الشافعي أنه من رأى هلال رمضان وحده فليصمه، ومن رأى هلال شوال وحده فليفطر، وليخف ذلك، وروى ابن وهب عن مالك فى الذى يرى هلال رمضان وحده أنه يصوم لأنه لا ينبغى له أن يفطر وهو يعلم أن ذلك اليوم من شهر رمضان، ومن رأى هلال شوال وحده فلا يفطر لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأمونا، ثم يقول أولئك إذا ظهر عليهم قد رأينا الهلال، وكذلك قال ابن المنذر وبهذا قال الليث بن سعد.

 

وأحمد بن حنبل، وقال عطاء وإسحاق لا يصوم ولا يفطر، وقال ابن المنذر يصوم ويفطر، واختلفوا إذا أخبر مخبر عن رؤية بلد، فلا يخلو أن يقرب أو يبعد، فإن قرب فالحكم واحد، وإن بعد فلأهل كل بلد رؤيتهم، وروى هذا عن عكرمة والقاسم وسالم وروى عن ابن عباس، وبه قال إسحاق، وإليه أشار البخاري حيث بوب لأهل كل بلد رؤيتهم، وقال آخرون إذا ثبت عند الناس أن أهل بلد قد رأوه فعليهم قضاء ما أفطروا، هكذا قال الليث بن سعد والشافعى، قال ابن المنذر ولا أعلمه إلا قول المزنى والكوفى، ولقد شغل الإعجاز فى القرآن الكريم والسنة النبوية الباحثين والعلماء في الدراسات الإسلامية، في هذه الأيام، أكثر من أى وقت مضى، وخاصة الإعجاز العلمى، ولذلك لأسباب منها هو أن الإسلام وعقائده ورموزه يتعرض لهجمة شرسة تريد اقتلاعه من النفوس، وإبعاد أصحابه عنه لأسباب سياسية واقتصادية، ورغبة فى الهيمنة على أرضه وثرواته، وهم يعلمون ما له فى النفوس من قوة وأثر، قَدرت في الماضي على صد.

 

كل الهجمات القادمة من الخارج، والصمود فى زمن المحن، والصبر على الشدائد، حتى تَم إبعاد الخطر عن ديار الإسلام، ومن هنا كانت شراسة الحملة وعنفوانها ومساحتها وتصميمها على هدمه في النفوس لتتحقق أهدافها، أما الكشوف العلمية التي جاءت في هذا العصر برهانا قاطعا وصادقا يؤيد حقائق القرآن الكريم والسنة النبوية في تطابق عجيب، عن الإنسان والنبات والكون، فقد أهدت المؤمنين بالإسلام دعاة ومهتمين وأفرادا سلاحا فاعلا وفعالا فى الدعوة إلى الإسلام، وتجديد إيمانهم، وتعزيزه في النفوس، وإمدادهم بالطاقة للثبات على دينهم وسط العواصف المزمجرة، والأنواء الهادرة، واستقبال أعداد كبيرة من الداخلين في الإسلام لما يجدون فيه من القدرة على إنقاذ البشرية وهدايتها إلى الحق، وأنه كلمة الله إلى الإنسانية جمعاء، وهكذا وجد الباحثون مادة تستأثر باهتمام الناس، يؤيد ذلك الجموع الغفيرة التى تستمع إلى محاضرات الإعجاز، وما يحظى به الموضوع من اهتمام فى الصحف والمجلات والمؤتمرات.

 

التى تناقش كل جديد في هذا الميدان، ولدى مطالعة الباحث لموضوع الإعجاز فى مراجعه قديما وحديثا تراكم لديه كم هائل من المعلومات، تشكل تراثا متراكما ومتكاملا ومتباينا أحيانا والإعجاز في صوره المختلفة البيانى والعلمى والتشريعى والعددى، وغيرها ليس بنفس المستوى من الدلالة على موضوعه وقدرته على التأثير، كما أنها ليست في اتفاق بين الباحثين، هذا كتاب ربنا الذى أنزله إلينا لنقرأه ونتدبره ونعمل بما فيه، فلو تدبرت الأمة هذا الكتاب ورجعت إليه لعزت وسادت، وتخلصت من مشكلاتها وأزماتها، ولكن ما حال أمتنا مع القرآن؟ أين القراءة، وأين التدبر، وأين التحاكم، وأين العمل بهذا الدستور العظيم، فإن هناك هجر كبير وإعراض كثير فهلا من رجعة وأوبة إلى هذا الكتاب تلاوة وتأملا وتحكيما واسترشادا، فيا أيها الصائمون إن قراءة القرآن الكريم عبادة عظيمة، لها آداب حسنة يستحب للقارئ أن يتمسك بها لكى يكمل أجره ويتم انتفاعه، ومن تلك الآداب، هو إخلاص النية فى القراءة والتمهل فيها طلبا لرضوان الله لا طلبا لحظوظ الدنيا.

 

فعن جابر بن عبد الله قال “دخل النبى صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا فيه قوم يقرؤون القرآن قال “اقرؤوا القرآن، وابتغوا به الله عز و جل، من قبل أن يأتى قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه” والمعنى هو اقرأوا القرآن لله تعالى قبل أن يأتى قوم يسرعون فى تلاوته كإسراع السهم إذا خرج من القوس، يطلبون بقراءته عرض الدنيا وأعراضها ولا يريدون به جزاء الآخرة، ومن الآداب أيضا هو الخشوع عند قراءته، وذلك أثر التدبر، وقد يؤدى ذلك إلى البكاء، وهذه صفة أهل العلم العاملين به، فقال تعالى فى سورة الإسراء ” إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا، ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا” ومن الآداب أيضا هو الطهارة من الحدثين، واستعمال السواك، واستقبال القبلة، وتحسين الصوت ما أمكن من غير تكلف، ومن الآداب لحفاظ القرآن وقارئيه وهو أن تظهر آثار القرآن على أخلاق القارئ وسلوكه وأعماله.

قد يعجبك ايضا
تعليقات