القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

بابك إلي الجنة واسجد واقترب

118

بقلم د/ محمد بركات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

كلما سجدت وجدت السكينة والطمأنينة والهدوء والراحة والإيمان كله في السجود
( كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب )(سورة العلق، الآية:١٩)
جاء في تفسير بن كثير رحمه الله:

يخبر تعالى عن الإنسان، أنه ذو أشر وبطر وطغيان، إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله، ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال: { إن إلى ربك الرجعى} أي إلى اللّه المصير والمرجع، وسيحاسبك على مالك من أين جمعته وفيم صرفته. عن عبد اللّه بن مسعود قال: منهومان لا يشبعان: صاحب العلم وصاحب الدنيا، ولا يستويان، فأما صاحب العلم فيزداد رضى الرحمن، وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان، قال، ثم قرأ عبد اللّه: { إن الإنسان ليطغى . أن رآه استغنى} ، وقال للآخر: { إنما يخشى اللّه من عباده العلماء} ، وقد روي هذا مرفوعاً إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا) “”أخرجه ابن أبي حاتم””

، ثم قال تعالى: { أرأيت الذي ينهى . عبداً إذا صلَّى} نزلت في أبي جهل لعنه اللّه، توعد النبي صلى اللّه عليه وسلم على الصلاة عند البيت، فوعظه تعالى بالتي هي أحسن أولاً، فقال: { أرأيت إن كان على الهدى} أي فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله { أو أمر بالتقوى} بقوله وأنت تزجره وتتوعده على صلاته؟ ولهذا قال: { ألم يعلم بأن اللّه يرى} ؟ أي أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن اللّه يراه ويسمع كلامه،

وسيجازيه على فعله أتم الجزاء، ثم قال تعالى متوعداً ومتهدداً { كلا لئن لم ينته} أي لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد { لنَسْفَعاً بالناصية} أي لنسمنّها سواداً يوم القيامة، ثم قال: { ناصية كاذبة خاطئة} يعني ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها، خاطئة في أفعالها،

{ فليدع ناديه} أي قومه وعشيرته أي ليدعهم يستنصر بهم، { سندع الزبانية} وهم ملائكة العذاب حتى يعلم من يغلب، أحزبنا أو حزبه؟

روى البخاري عن ابن عباس قال، قال أبو جهل: لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه، فبلغ النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: (لئن فعل لأخذته الملائكة) “”أخرجه البخاري””.

عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي عند المقام، فمرّ به أبو جهل بن هشام، فقال: يا محمد ألم أنهك عن هذا؟ وتوعدّه فأغلظ له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وانتهره، فقال: يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما واللّه إني لأكثر هذا الوادي نادياً، فأنزل اللّه: { فليدع ناديه . سندعُ الزبانية}
فالسجود هو الذي يخلصك من علائق الدنيا كلها ويفتح لك ما انغلق من أبوابها.

وقال ابن عباس: لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته “”أخرجه أحمد والترمذي، وقال حسن صحيح””. وروى ابن جرير، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال؛ قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم، قال، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته، ولأعفرن وجهه في التراب، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته، قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل له مالك؟ فقال: إن بيني وبينه خندقاً من نار وهولاً وأجنحة! قال، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً)، قال: وأنزل اللّه: { كلا إن الإنسان ليطغى..} إلى آخر السورة “”رواه أحمد والنسائي وابن جرير واللفظ له””

وقوله تعالى: { كلا لا تطعه} يعني يا محمد لا تطعه فيما ينهاك عنه من المداومة على العبادة وكثرتها، وصلِّ حيث شئت ولا تبالِهِ، فإن اللّه حافظك وناصرك وهو يعصمك من الناس، { واسجد واقترب} كما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) “”رواه مسلم في صحيحه””، وتقدم أيضاً أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يسجد في { إذا السماء انشقت} و { اقرأ باسم ربك الذي خلق} .

وجاء في تفسير الجلالين

{ كلا } ردع له { لا تطعه } يا محمد في ترك الصلاة { واسجد } صلِّ لله { واقترب } منه بطاعته.

وجاء في تفسير الإمام الطبري رحمه الله:

وَقَوْله : { كَلَّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيْسَ الْأَمْر كَمَا يَقُول أَبُو جَهْل , إِذْ يَنْهَى مُحَمَّدًا عَنْ عِبَادَة رَبّه , وَالصَّلَاة لَهُوَقَوْله : { كَلَّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيْسَ الْأَمْر كَمَا يَقُول أَبُو جَهْل , إِذْ يَنْهَى مُحَمَّدًا عَنْ عِبَادَة رَبّه , وَالصَّلَاة لَهُ’ { لَا تُطِعْهُ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تُطِعْ أَبَا جَهْل فِيمَا أَمَرَك بِهِ مِنْ تَرْك الصَّلَاة لِرَبِّك { وَاسْجُدْ لِرَبِّك وَاقْتَرِبْ } مِنْهُ , بِالتَّحَبُّبِ إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ , فَإِنَّ أَبَا جَهْل لَنْ يَقْدِر عَلَى ضُرّك , وَنَحْنُ نَمْنَعك مِنْهُ .

حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل , قَالَ : لَئِنْ رَأَيْت مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَأَطَأَنَّ عُنُقه , فَأَنْزَلَ اللَّه : { كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } قَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين بَلَغَهُ الَّذِي قَالَ أَبُو جَهْل , قَالَ : ” لَوْ فَعَلَ لَاخْتَطَفَتْهُ الزَّبَانِيَة ” . آخِر تَفْسِير سُورَة اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبّك , وَالْحَمْد لِلَّهِ وَحْده . { لَا تُطِعْهُ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تُطِعْ أَبَا جَهْل فِيمَا أَمَرَك بِهِ مِنْ تَرْك الصَّلَاة لِرَبِّك { وَاسْجُدْ لِرَبِّك وَاقْتَرِبْ } مِنْهُ , بِالتَّحَبُّبِ إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ , فَإِنَّ أَبَا جَهْل لَنْ يَقْدِر عَلَى ضُرّك , وَنَحْنُ نَمْنَعك مِنْهُ .

حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل , قَالَ : لَئِنْ رَأَيْت مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَأَطَأَنَّ عُنُقه , فَأَنْزَلَ اللَّه : { كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } قَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين بَلَغَهُ الَّذِي قَالَ أَبُو جَهْل , قَالَ : ” لَوْ فَعَلَ لَاخْتَطَفَتْهُ الزَّبَانِيَة ” . آخِر تَفْسِير سُورَة اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبّك , وَالْحَمْد لِلَّهِ وَحْده .’

وفي تفسير الإمام القرطبي رحمه الله:
قوله تعالى { كلا} أي ليس الأمر على ما يظنه أبو جهل. { لا تطعه} أي فيما دعاك إليه من ترك الصلاة. { واسجد} أي صل لله { واقترب} أي تقرب إلى اللّه جل ثناؤه بالطاعة والعبادة. وقيل : المعنى : إذا سجدت فاقترب من اللّه بالدعاء. روى عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (أقرب ما يكون العبد من ربه، وأحبه إليه، جبهته في الأرض ساجدا لله ). قال علماؤنا : وإنما كان ذلك لأنها نهاية العبودية والذلة؛ ولله غاية العزة، وله العزة التي لا مقدار لها؛ فكلما بعدت من صفته، قربت من جنته، ودنوت من جواره في داره.

وفي الحديث الصحيح : أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : [أما الركوع فعظموا فيه الرب. وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فإنه قمن أن يستجاب لكم]. ولقد أحسن من قال :

وإذا تذللت الرقاب تواضعا
منا إليك فعزها في ذلها

وقال زيد بن أسلم : اسجد أنت يا محمد مصليا، واقترب أنت يا أبا جهل من النار. قوله تعالى { واسجد} هذا من السجود. يحتمل أن يكون بمعنى السجود في الصلاة، ويحتمل أن يكون سجود التلاوة في هذه السورة.

قال ابن العربي والظاهر أنه سجود الصلاة لقوله تعالى { أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى – إلى قوله – كلا لا تطعه واسجد واقترب} ، لولا ما ثبت في الصحيح من رواية مسلم وغيره من الأئمة عن أبي هريرة أنه قال : سجدت مع رسول الله صلى اللّه عليه وسلم { إذا السماء انشقت} [سورة الإنشقاق، الآية : 1]

، وفي { اقرأ باسم ربك الذي خلق} [سورة العلق، الآية : 1] سجدتين، فكان هذا نصا على أن المراد سجود التلاوة.

وقد روى ابن وهب، عن حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، قال : عزائم السجود أربع { ألم} و { حم تنزيل من الرحمن الرحيم} و { النجم} و { اقرأ باسم ربك} . وقال ابن العربي : وهذا إن صح يلزم عليه السجود الثاني من سورة [الحج]

، وإن كان مقترنا بالركوع؛ لأنه يكون معناه اركعوا في موضع الركوع، واسجدوا في موضع السجود. وقد قال ابن نافع ومطرف : وكان مالك يسجد في خاصة نفسه بخاتمة هذه السورة من { اقرأ باسم ربك} وابن وهب يراها من العزائم. قلت : وقد روينا من حديث مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن نافع عن ابن عمر قال : لما أنزل اللّه تعالى { اقرأ باسم ربك الذي خلق} [سورة العلق، الآية : 1]

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لمعاذ : [اكتبها يا معاذ] فأخذ معاذ اللوح والقلم والنون – وهي الدواة – فكتبها معاذ؛ فلما بلغ { كلا لا تطعه واسجد واقترب} سجد اللوح، وسجد القلم، وسجدت النون، وهم يقولون : اللهم ارفع به ذكرا، اللهم احطط به وزرا، اللهم اغفر به ذنبا. قال معاذ : سجدت، وأخبرت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فسجد. ختمت السورة. والحمد لله على ما فتح ومنح وأعطى. وله الحمد والمنة.

وفي اسباب النزول لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي

قوله تعالى: { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ} إلى آخر سورة العلق. [الآيات :17-19].
نزلت في أبي جهل.
أخبرنا أبو منصور البغداديُّ، أخبرنا أبو عبد الله محمدُ بن يزيد الخُوزيُّ، حدَّثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدَّثنا أبو سعيد الأشَجُّ، حدَّثنا أبو خالد بن أبي هند، عن [عِكْرِمَة، عن] ابن عباس،

قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فجاء أبو جهل فقال: ألم أنْهَك عن هذا؟! فانصرف إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – فزَبَرَه، فقال أبو جهل: والله! إنك لَتعلمَ ما بها نادٍ أكثرُ مني. فأنزل الله تعالى: { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَة} قال ابن عباس: والله لو دعا نادِيَه لأخذتْه زَبانِيةُ الله تبارك وتعالى.

(كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ۩)

يقول الإمام البغوي رحمه الله :
ثم قال : ( كلا ) ليس الأمر على ما عليه أبو جهل ، ( لا تطعه ) في ترك الصلاة ، ( واسجد ) صل لله ( واقترب ) من الله .
أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني ، أخبرنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، حدثنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلئي ، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، حدثنا أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السراج ومحمد بن سلمة قالوا : أخبرنا وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن عمارة بن غزية عن سمي مولى أبي بكر أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدث عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ” أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء [ فيها ] ”

اللهم سجودا يقربنا إلي رضاك وجنتك

قد يعجبك ايضا
تعليقات