القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن المفسدين فى الأرض ” الجزء السابع “

108

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السابع مع المفسدين فى الأرض، ولعلنا نتتبع الآيات التي ورد فيها ذكر الإفساد لنتعرف على أنواع الإفساد وصوره ومنها الشرك بالله فهو إفساد، فقال الله تبارك وتعالى ” الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانون يفسدون ” فهؤلاء جمعوا بين إفسادين، وهما كفر بالله، وصد عن سبيل الله، فقال سبحانه وتعالى ” ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين ” وكذلك النفاق فهو إفساد في الأرض، ولقد قال الله تبارك وتعالى ” وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ” وأيضا تكذيب الرسل فهو فساد، فقال الله تبارك وتعالى عن آل فرعون ” وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ” وقال سبحانه وتعالى عن قوم صالح ، وأن صالحا قال لهم ” ولا تطيعوا أمر المفسدين، الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون ” ويدخل فيه الصد عن سبيل الله، فقال الله تبارك وتعالى ” ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ” وكذلك فإن اللجـوء إلى غير الله تعالى ودعاء الأموات إفساد.

وكذلك فإن قتل النفس إفساد ، وتعظم الجريرة إذا كان المقتول مصلحا، كما قال الله تبارك وتعالى ” وكان فى المدينة تسعة رهط يقسدون فى الأرض ولا يصلحون ” وإن اشترك القوم بالرأي والمكيدة ، فهو إفساد الطبقة المتنفذة المتسلطة ، ولذا قال سبحانه وتعالى ” قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ” ومعنى التبييت هو قتله ليلا، فهم خفافيش الظلام التي يبهرها النور فلا تستطيع أن تتحرك وتعمل إلا تحت جُنح الظلام، وكذلك فإن قتل الأنفس البريئة إفساد، وكذلك فإن بخس الموازين والتطفيف بالكيل إفساد، فقال الله تبارك وتعالى على لسان شعيب عليه السلام ” فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها ” وكذلك فإن التقاطع في الأرحام وعدم وصلها فهو إفساد فقد قال الله تبارك وتعالى ” فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم ” وكذلك فإن نقض العهد، وعدم الوفاء به، وقطع ما أمر الله به أن يوصل فهو إفساد، وأيضا فإن الإسراف ومجاوزة الحد في الغي والتمادي في المعاصي إفساد، فقال الله تبارك وتعالى على لسان نبيه موسى عليه الصلاة والسلام ” كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ”

وإن إيقاد نيران الحروب بين عباد الله إفساد، فقال الله تبارك وتعالى ” كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون فى الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ” وكذلك فإن السحر إفساد، فقال الله تبارك وتعالى ” قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ” وكذلك فإن الجبروت والتكبر على عباد الله إفساد، والإفراط في الفرح والأشر والبطر، وكذلك ارتكاب المنكرات وإتيان ما حرم الله من الفواحش، وكذلك فإن السرقة إفساد، فقد قال الله عز وجل عن أخوة يوسف ” قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض وما كنا سارقين ” ويقول المولى عز وجل في كتابه الكريم كما جاء فى سورة الروم ” ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون ” وهذه الآية العظيمة، وغيرها مما يقارب خمسين آية في كتاب الله تعالى كلها تحذر من الفساد بجميع صوره وأشكاله وأنواعه، وتمثل هذه الآيات بالإضافة إلى الأحاديث النبوية الصحيحة التي وردت في الصحاح والسنن والمسانيد التي تحذر الأمة من الفساد في الأرض ومن الإفساد، وأن يكون المؤمن صالحا مصلحا بعيدا عن جميع صور الفساد، حتى لا ينزل به العذاب، وحتى لا تنزل بالأمة الكارثة والمصائب والنكبات.

والابتلاءات بصور مختلفة بسبب تصرفات بعض الأشخاص، وإن الفساد بجميع صوره، كل ذلك حذر منه الإسلام، وحذر منه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، صراحة، وحث الأمة على محاربته بجميع صوره، وإن الفساد الذي هو استغلال الوظائف العامة للمصالح الخاصة، والفساد الذي هو ضياع الحقوق والمصالح، وهى مصالح العباد بسبب مخالفة ما أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، والفساد الذي هو عدم القيام بالأمانة واستشراء الخيانة بين أفراد المجتمع، والفساد الذي هو الغش بجميع صوره وأشكاله، هذه الصور التي رسم المولى عز وجل، لنا في الكتاب الكريم خبر أقوام أفسدوا في الأرض فنزل بهم البلاء، وإذ يحذرنا المولى عز وجل من أن نسلك مسلكهم، أو أن نسير على الطرق التي ساروا عليها، فإنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه حسب أو نسب، فسنن الله لا تحابي أحدا، فينبغي أن نعلم هذه المسألة، أن سنن الله لا تحابي أحدا، وأن الأمة إذا حادت عن الطريق المستقيم نزل بها البلاء، ولقد حذرنا الله تعالى من خبر أقوام أفسدوا في الأرض بتطفيف الميزان والمكيال وبالفساد، فذكر المولى سبحانه وتعالى قصة قوم شعيب في أكثر من موضع في كتابه الكريم، وحذرنا الله تعالى من قصة قارون الذي فسد.

وتعالى وتجبر ومنع الزكاة والصدقات، وبيّن لنا المولى عز وجل، خبر أقوام حادوا عن الطريق المستقيم حتى لا نسلك مسلكهم، ومن صور الفساد من باب التمثيل لا الحصر، الذي ابتليت به الأمة في الأموال، السرقة، والاختلاس، والرشوة، والتربح بالوظيفة، والخيانة للمسؤوليات، وفي العمل الإهمال، والتقصير، وعدم الإتقان، والمحسوبية، وبخس العامل حقه، وعدم أداء الأجير أجرته، والإسراف والتبذير والبذخ الذي تجاوز حدود الزمان والمكان، وفي جانب التداول والتجارة الغش، والتدليس، والمماطلة، واحتكار السلع، وغير ذلك من صور كثيرة من الفساد التي لا تخفى على أصحاب العقول، ولا تخفى عليكم، فأصبحت واضحة للعيان، ولقد أصبح الإنسان لا يجد السلعة الصحيحة، ولا يجد البضاعة الأصلية بسبب الفساد، وبسبب قلة الأمانة، وبسبب عدم الخوف من الله سبحانه وتعالى، وبسبب عدم مراقبته، ويحذرنا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من هذا الفساد في حديث رواه ابن ماجة في سننه فيقول النبي صلى الله عليه وسلم “يا معشر المهاجرين، خصال خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.

ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم” ويجب علينا أن نعلم جيدا أن البلاء والهلاك وعدم السعادة والراحة والطمأنينة والنكبات والابتلاءات والمصائب وانهيار القيم والمبادئ كل ذلك بسبب هذه المسألة التي نسأل الله أن يعافينا منها وهى الفساد، وإن من أسباب الفساد الذي عم في مجتمعات المسلمين ضعف الوازع الديني، وعدم مراقبة المولى عز وجل، وعدم استشعار أن الله يرى العبد، وأننا لم نصل إلى مرتبة الإحسان الذي هو أعلى مراتب الدين، أن يعبد المسلم ربه كأنه يراه، والأمر الثاني هو ضعف الدور التربوي للأسرة، فكثير من الأسر تركت الحبل على الغارب للأبناء والبنات فلم يتربوا على المراقبة لله تعالى، ولم يقوموا بدورهم ومسؤوليتهم، والأمر الثالث هو عدم ترشيد وسائل الإعلام، فكثير من القنوات ووسائل الإعلام في بلاد المسلمين لم تقم بدورها في التوجيه والتربية، بل تهدم القيم والمبادئ وتنشر الرذيلة والعري والتبرج.

وكذلك فإن هناك الأسباب الاقتصادية، من البطالة، وعدم الامانة وعدم الإخلاص، وعدم أداء الأجير أجرته مما يؤدي به إلى الاختلاس والتزوير وغير ذلك من الصور المحرمة، وانتشار الظلم والكذب والخيانة بين الناس، والتهالك على الأموال والحرص على الدنيا، ولهذا عندما نتأمل في نصوص الآيات السابقة وفي الأحاديث الكثيرة التي بينها لنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، نجد أن الإسلام جعل لنا السبل التي تقينا من الفساد، ومنها هو الإيمان بالله، فيقول سبحانه فى سورة الأعراف ” ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ” بمعنى أنه لو أن الناس آمنوا واتقوا وأقبلوا على الله سبحانه وتعالى لفتحت عليهم البركات والخيرات والنعم بما لا يجدون له وصفا، والأمر الثاني ضعف العبادات، والإسلام أمرنا بالعبادات، بالصلاة والصيام والحج والزكاة، فقال تعالى فى سورة العنكبوت ” إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ” فالمؤمن الذي يؤدي الصلاة لن يختلس، الذي يؤدي الصلاة لن يهمل في وظيفته، لن يأخذ الرشوة، لن يغش أحدا، لأنه لا يريد أن يفسد صلاته فقال تعالى ” ‘ن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ” فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليعلم أن صلاته ناقصة.

قد يعجبك ايضا
تعليقات