القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

فضل النصح والإرشاد والتواصي بالخير بين الناس

105

بقلم_د. محمد بركات

الحمد لله رب العالمين، خلق الناس وهيأ لهم سبل الخير في أنبياءه ورسله والمصلحون عبر كل زمن فلله وحده المنن والفضائل كلها وله الحمد كله، ثم الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من دعا للخير فنصح لله وأرشد الناس لكل خير وبعد:

فإن النصيحة من أعظم ما يحتاجه الناس في كل زمان فهي تذكير للغافل وتنبيه العاصي وتشجيع المطيع وتأييد المجتهد وضرب علي يدي المعتدي وإصلاح للمجتمع كله، وهي نوع من أنواع التواصي بالحق والخير وهو المطلوب في كل وقت .

والنصيحة من الأمور التي لا يستغني عنها إنسان مهما صغر أو كبر سنه أو مركزه لأنها المنارة لحياته وقت ما يريد يقول الله تعالى ( وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم)(1)

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾، قال: “يكون هذا أعلم مِن هذا، وهذا أعلم من هذا، والله فوقَ كلِّ عالم”(2)

وعن الحسن البصري رحمه الله في قوله: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾، قال: ليس عالمٌ إلا فوقه عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله.(3)

واعلم أيها المسلم أن النصيحة لله ولكتابه ولرسوله وللمؤمنين، هي من أعظم الأمور الواجبة على المسلم في كل أوقات حياته ؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعلها هي الدين كله لما قال: (الدين النصيحة)، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: (لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)(4)

واعلم أيها المسلم أنه ما من نبي إلا ونصح لله قومه وأرشدهم إلي الحق وفي ذلك:

قال سبحانه وتعالى عن نبيِّه هود عليه السلام: {وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ} إلى قوله: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (5)

وقال سبحانه عن نبيِّه نوح عليه السلام: {وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ۚ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}(6)

وقال عزَّ وجلَّ عن نبيِّه صالح عليه السلام: {فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}(7)

وقال عن الرَّجل الصَّالح: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}(8)

فهذا هدي جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السَّلام، والَّذين تمثلوا أرقى صور الدَّعوة وحبّ الخير للنَّاس؛ بالنصح والتناصح والإرشاد وهداية العباد لكل خير.

بل إن النصيحة علي أهميتها تجد أن من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالنصيحة أنه كان يُبايع عليها، ويلزم بها .
فعن جرير رضي الله عنه قال: “بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم”(9)

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم النصيحة الصادقة للمسلم من حقِّه على أخيه المسلم بمعني الحق الثابت، فقال: (حَقُّ المسلم على المسلم سِتٌّ… وإذا استنصحك فانصح له)(10)

والمسلم العاقل يتيقن أنه من الواجب عليه تجاه أخيه المسلم النُّصْح له مهما كانت شخصيته في المجتمع،
وإن لم يقدر الشخص على المواجهة، فيكتب له ورقة فيها النصح، تكون بأسلوب واضح ومناسب دون تجريح للشخص، أما إذا أمكن نصحه مواجهة، فيكون سرًّا، وليس أمام الناس علانيةً فهذا من دأب الصالحين
(انصح ولا تفضح)؛ (استر ولا تفضح)،(حدث بالخير ولا تنشر الشر) وهكذا…

لأن أكثر الناس لا يقبلون النصيحة إذا كانت في العَلَن؛ وذلك لما فيها من إحراجهم أمام الناس، وأما النصيحة في السـر فإنها تحمل هذه المعاني، وقد قيل: “مَنْ وعظ أخاه سرًّا، فقد وعظَه وزانه، ومَنْ وعظ علانية فقد فضحه وشانه”.

ولو تأملت النصائح النبوية في حقيقتها الشخصية المباشرة لوجدتها لا تزيد الواحدة منها على سطر أو سطرين، والغاية تدرك بقليل الألفاظ وعظيم المعاني.
ومن هذه النصائح جليلة الأثر والخير:

(يا علي: لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة)(11).

(يا عبدالله بن عمر: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)(12).

(يا معاذ، والله إني أحبك، فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعِنِّي على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك)(13)

وعن عمر رضي الله عنه كان على فراش الموت، فجعل الناس يدخلون عليه تباعًا، يودعونه ويثنون عليه، وجاء شابٌّ، فقال: “ابشـر يا أمير المؤمنين ببشـرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَدَمٍ في الإسلام ما قد علمت، ثم وُلِّيت فعدلت، ثم شهادة، فقال عمر: وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي، فلما قدم الشاب فإذا إزاره يمسُّ الأرض مسبل؛ أي: إزاره تحت الكعبين، فأراد عمر رضي الله عنه أن يقدم النصيحة، فقال: ردوا عليَّ الغلام، فلما وقف الشاب بين يديه، قال: يا بن أخي، ارفع ثوبَكَ؛ فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربِّك”(14)

والغاية في النصح أن تُعَرِّفَ المنصوح خطأه؛ ليتجنبه في المرة القادمة وليس الغاية أن تنتصـر عليه، فكلنا نخطئ، وخيرُ الخطَّائين التوَّابون، فلست أنت مبرءا من كل العيوب لكنه ستر الله الذي ألبسك إياه فاحمد الله علي ستره لك

والله عز وجل يغفر الذنوب جميعًا؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (15)

وأحيانًا قد يذكر المنصوح كلامًا يتعذَّر به، وهو ليس عذرًا مقنعًا؛ لكنه يقوله ليحفظ ماء وجهه، فكن سمحًا، واقبل العذر، ولا تغلق عليه الأبواب؛ بل أبقها مفتوحة أمامه وأنت تنصح حتى لو تكلم بكلام خاطئ، فيمكن أن تعالج خطأه من حيث لا يشعُر كأن تثني عليه وعلى فهمه وجرأته، ثم تبدأ في علاج الخطأ.

اللهم اجعلنا من الناصحين المتناصحين في سبيلك ومرضاتك يا رب العالمين..دمتم في خير

______________________________
(1) سورة يوسف، الآية: 76
(2)أخرجه الطبري في تفسيره (16/ 192)
(3)أخرجه الطبري في تفسيره (16/ 193 )
(4)رواه مسلم
(5) سورة الأعراف الآية 65_الآية؛68.
(6)سورة هود، الآية:34
(7) سورة الأعراف، الآية:79
(8)سورة القصص، الآية:20
(9)رواه مسلم.
(10) رواه مسلم.
(11) رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، وحسنه الألباني.
(12) رواه البخاري.
(13) رواه أبو داود، وصحَّحه الألباني.
(14)رواه البخاري.
(15)سورة الزمر، الآية:53

قد يعجبك ايضا
تعليقات