القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

دنيا ودين ومع الطاغوت ” الجزء الأول

214

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

لقد جاءت الشريعة الإسلامية الغراء مبينة وموضحة بأنه لا توحيد مقتضيا بفضل الله تعالى للنجاة من دخول النار أصلا أو من الخلود فيها، ولا أمان في الحياة على النفس والعرض والمال، ولا مكان بين المسلمين أو تصدر أو تقدير أو احترام لمن لم يحقق مقتضى لا إله إلا الله المتضمن الكفر بما عبد من دون الله تعالى، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله” وإن شهادة أن لا إله إلا الله هي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة, وهي أصل الدين وأساسه, وبقية أركان الدين متفرعة عنها، وهي سبيل السعادة في الدارين ولا وصول إلى السعادة إلا بهذه الكلمة, وفي شأنها تكون الشقاوة والسعادة، وهي الكلمة التي أرسل الله تعالى بها رسله وأنزل بها عز وجل كتبه, ولأجلها خلقت الدنيا والآخرة والجنة والنار، وهي أعظم نعمة أنعم الله جل جلاله بها على عباده أن هداهم إليها، ولهذا ذكرها سبحانه وتعالى في سورة النحل التي هي سورة النعم, فقدمها أولا قبل كل نعمة، وهي أفضل ما ذكر الله عز وجل به.

وأثقل شيء في ميزان العبد يوم القيامة، وإن معنى لا إله إلا الله هو أنه لا معبود بحق إلا الله, وقول لا إله، هى نافية جميع ما يعبد من دون الله تعالى فلا يستحق أن يعبد “إلا الله” مثبتة العبادةَ لله وحده فهو الإله الحق المستحق للعباده، وإن أول ما فرض الله عز وجل، على العباد هو الإيمان به والكفر بالطاغوت، ودليل ذلك قوله تعالى ” ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت” فأوجب الله عز وجل، الإيمان به، والكفر بالطاغوت، ولكننا في هذا الزمان آمنا بالله سبحانه وتعالى، وقد جهلنا الكفر بالطاغوت، بل أكثرنا يجهل هذا ولا يعلمه، وكل ذلك بسبب انتشار الجهل بيننا، والتكاسل عن طلب العلم والقراءة في كتب العلماء، والاكتفاء بالمعلومات العامة الدينية، وما إن يمتلكها أي واحد منا حتى يبدأ في النقاش لطلبة العلم، ومصارعتهم في مجالسهم، وهو لا يعلم من دينه شيء، وقد تناسى أصلا أصيلا من الإيمان به حيث أنه لو لم يأت به لا يصير مؤمنا بالله، وإن معنى الكفر بالطاغوت والكفر بما عبد من دون الله، هو البراءة منه واعتقاد بطلانه.

فقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب ” فأما صفة الكفر بالطاغوت، فأن تعتقد بطلان عبادة غير الله تعالى، وتتركها وتبغضها وتكفِّر أهلها وتعاديهم” وقال في بيان الطاغوت الذي أمرنا بالبراءة منه، واعتقاد بطلانه في كتابه ثلاثة الأصول، فقال ابن القيم رحمه الله “معنى الطاغوت هو ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، والطواغيت كثيرون، ورؤوسهم خمسة، وهم إبليس لعنه الله، ومن عبده وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئا من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله، وقال في بيان نواقض الإسلام، الثالث هو من لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو يصحح مذهبهم فقد كفر، وإن الطاغوت هو كل ذي طغيان على الله فكل ما عبد من دون الله، ورضي بالعبادة من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله، فهو طاغوت، والإنسان ما يصير مؤمنا بالله إلا بالكفر بالطاغوت، والدليل قوله تعالى ” فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ”

وإن مفهوم الكفر في اللغة هو التغطية والستر، وأمّا في الاصطلاح فهو ضد الإيمان في القول والفعل والاعتقاد، وكما أن الكفر هو دين الشيطان، ويورّث صاحبه الضلال في دنياه والشقاء في آخرته، كما أن الكفر هو رفض الدخول في الإسلام، أو هو الخروج منه بعد دخوله، والاعتقاد بدين آخر غير دين الله سبحانه وتعالى، ويكون ذلك بسبب التكبر والعناد أو ربما بسبب الحمية لدين الأجداد والآباء، أو لأطماع دنيوية، كالمال، أو الجاه والمنصب، ويكون الكفر بالتكذيب والاستهزاء بالله أو برسوله صلى الله عليه وسلم، أو بكتابه، كما يمكن أن يكون الكفر بالذبح لغير الله تعالى، أو بالسجود لغيره، أو العمل بالسحر أو تعليمه، وإن الطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة، وهم أولهم الشيطان وهو الداعي إلى عبادة غير الله تعالى، والدليل قول الحق سبحانه وتعالى ” ألم أعهد إليكم يا بنى آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ” وثانيهم هو الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالى، والدليل قول الحق سبحانه وتعالى.

” ألم ترى إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكوا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا” وثالثهم هو الذي يحكم بغير ما أنزل الله تعالى، والدليل هو قوله تعالى ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” ورابعهم هو الذي يدعي علم الغيب من دون الله تعالى، والدليل هو قول الله سبحانه وتعالى ” عالم الغيب فلا يظهر على غيبة أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا” وقوله تعالى ” وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين ” وخامسهم هو الذي يعبد من دون الله تعالى، وهو راضى بالعبادة، والدليل هو قوله سبحانه وتعالى ” ومن يقل منهم إنى إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزى الظالمين ” وعلى هذا فليس كل ما عبد من دون الله تعالى، يعتبر طاغوتا فالأنبياء والعلماء وغيرهم من الصالحين والأولياء لم يحملوا الناس على عبادتهم

إياهم ولا أطاعوهم في ذلك بل حذروهم من ذلك أشد تحذير بل كان المقصد من إرسال الله الرسل إلى الخلق دعوتهم إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، والكفر بما دونه، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم ” ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلاله فسيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين” فلا يسمى الأنبياء ولا العلماء وإن عبدوا من دون الله طواغيتا، لأنهم حذروا الناس من ذلك وأن لا يشركوا بعبادة ربهم أحدا، فإن الطاغوت في اللغة من الفعل طغى، ومضارعه يطغى، أي مجاوزة القدر، وكما يعني الارتفاع والغلو في الكفر، ومن جاوز الحدود في عصيانه يُدعى طاغ، وأمّا المعنى الاصطلاحي للطاغوت فهو لا يبتعد كثيرا عن معناه في اللغة فالطاغوت في الاصطلاح كما يقول عنه الإمام الطبري، هو كل صاحب طغيان على الله تعالى، فخالفه وعبد غيره أو قهر وظلم أحدا من عباده، أو أطاع أحدا من دون الله، سواء كان ما يعبده من الناس أو الشياطين أو الأوثان أو الأصنام، أو أي شيء.

وقد جاء ابن القيم وزاد في تعريف الطبري فقال بأن الطاغوت هو ما تجاوز به العبد الحدود في العبادة أو التبعية أو الطاعة، فيكون طاغوت القوم هو ما يحتكمون لأمره من دون الله أو ما يعبدونه من دون الله، أو يمشون وراءه على غير هدى وبصيرة، ويطيعونه بما لا يعلمون أنه من طاعة الله تعالى، وإن تأمل الإنسان طواغيت العالم وكيف يتعامل الناس معها فهم يحتكمون لأمرها من دون الله ورسوله، وكل ذلك يكون في حال كان الإنسان راضيا بطاغوت، أمّا إن كان غير راضٍ فلا إثم عليه، والطاغوت دون شك هو كافر، فالطواغيت الذي تحدّث عنهم القرآن الكريم هم رأس الكفر، وأولهم إبليس رأس الكفر ورأس الطواغيت، وكذلك من يعبدون من غير الله وهم راضون بذلك، ومن يدّعون معرفتهم بالغيب فهم يكفرون بالله ويجعلون من أنفسهم شركاء له والعياذ بالله فهم من الطواغيت، ومن يحكمون بغير ما أنزل الله من أحكام في كتابه وفي سنة نبيه، والطاغوت هو مشتق من الطغيان، والطغيان هو مجاوزة الحد.

قد يعجبك ايضا
تعليقات