القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

فى طريق الاسلام ومع غزوة عمرة القضاء .الجزء الخامس

175

إعداد _ محمـــد الدكـــروى

ونكمل الجزء الخامس مع غزوة عمرة القضاء وقد توقفنا عند قول أن العمرة واجبة على كل مسلم، وهو قول الإمام أحمد والشافعي، وبعض أهل الحديث رحمهم الله، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ومن الجدير بالذكر أن أداء العمرة ليس محصورا في وقت معين، بل يمكن أداؤها في أي وقت من السنة باستثناء أيام الحج، إلا أن بعض أهل العلم استحبوا العمرة في رمضان بسبب فضلها، واستدلوا على ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأم سنان الأنصارية لما فاتها الحج معه ” فإن عمرة في رمضان تقضي حجةً معي” وهكذا فإن عمرة القضاء، هي العمرة التي أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، في العام السابع للهجرة، بعد الاتفاق مع قريش عليها في صلح الحديبية، إذ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أملى على قريش في بنود الصلح، أن يخلوا بين المسلمين والبيت الحرام ليطوفوا به.

فوافقت قريش على ذلك، ولكن في العام الذي يلي الصلح، فلما كان الموعد المقرر لتلك العمرة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، بألفين من أصحابه مدججين بالسلاح، يصحبون معهم عدة الحرب، تحسبا لأي خيانة من قريش، وسرعان ما نقلت عيون قريش الأخبار إليهم، فلما علموا بذلك خافوا وأرسلوا مكرز بن حفص على رأس وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتقى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى مكة المكرمة ومعه أصحابه رضي الله عنهم، يحملون السيوف في أغمادها كما عاهدوا قريش، وأما كفار قريش فخرجوا إلى الجبال المحيطة لأنهم كانوا قد عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على إخلاء مكة لثلاثة أيام كاملة للمسلمين، فوقفوا ينظرون إليهم وهم يؤدون مناسك العمرة، فطاف المسلمون بالكعبة، وفرحت قلوبهم برؤيتها، وتمت العمرة، وفي آخر الأيام الثلاثة.

تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها، وهي أخت أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب، وخالة خالد بن الوليد، ويمكن القول إن لهذا الزواج بُعدا سياسيا وهو تأليف قلب خالد بن الوليد الذي كان يُعد أعظم قادة قريش على الإطلاق، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعلم أن إسلام خالد بن الوليد يشكل ضربةً قويةً للكفر والكافرين، وهذا ما حدث بعد أشهر قليلة من عمرة القضاء، وبعد انتهاء الأيام المحددة للعمرة، أرسلت قريش حويطب بن عبد العزى وسهيل بن عمرو، لحث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمين على الخروج من مكة، فقالوا له بغلظة إنه قد انقضى أجلك فأخرج عنا، ورغم جفائهم، رد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشكل طبيعي متناسيا كل آزاهم، وكان كريما ودودا مضيافا معهم، يريد أن يتألف قلوبهم، وقال صلى الله عليه وسلم ” وما عليكم لو تركتمونى فعرست بين أظهركم.

فصنعنا لكم طعاما فحضرتموه ” ولكنهم ردوا بجفاء الأعراب، وقالوا لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا، فاحترم رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعاهدة، وخرج على الرغم من ضعف المشركين و قوة المسلمين، ثم عاد قافلا إلى المدينة المنورة، وإن للعمرة فوائد عديدة تعود على من أدّاها، وهى أن العمرة تمحو الذنوب والسيئات وتكفرها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” وأن العمرة سبب في نفي الفقر وجلب الرزق، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” تابعوا بين الحج والعمرة، فإنَهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب دونَ الجنة” وأن في تأديتها شكر لنعمة المال والصحة البدن، وأن العمرة إظهار للتذلل لله عز وجل، إذ إن المعتمر يترك أنواع اللباس ويلبس لباس الإحرام.

مظهرا الفقر لربه سبحانه وتعالى، وأن العمرة تقوي الإيمان ومشاعر الأخوة والتراحم لدى المسلم، إذ إنها تجمع المسلمين من كل أنحاء العالم في مكان واحد على اختلاف ألوانهم وألسنتهم، لا فرق بين غني وفقير، ولا عربي وأعجمي، وقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حياته المباركة أربع عُمر، وهي عمرة الحديبية، وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة، والثلاث كن في ذي القعدة، والرابعة عمرته مع حجة الوداع، وكان من أهداف غزوة عمرة القضاء هو تصديق رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في دخول المسلمين مكة أول مرة، إذ ظن المسلمون أن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي يوم الحديبية، ولكنهم لما عادوا ولم يدخلوا مكة اتفقوا على أن يعود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه إلى مكة عامهم المقبل فيعتمروا، فأنزل الله سبحانه، الآية التي أخبرتهم أن الذي فَعلوه أي الصلح هو فتح.

أو مقدمة لفتح قريب، إذ قال الله تعالى (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) ولقد كان مشهدا كئيبا اكتست فيه وجوه أبطاله بالحزن والأسى، فالقلوب منفطرة غيظا وكمدا، والنفوس مشحونة ألما وغما، والضيق هو سيد الموقف، حتى همّ بعضهم بالشك والريب من ضراوة المفاجأة على عقولهم، ووصل بهم الحال للتباطؤ في تنفيذ الأوامر العليا رغم عصمة وقدسية مصدرها، فكان هذا هو ملخص حال الصحابة يوم الحديبية في شهر ذي القعدة من العام السادس من الهجرة، فبعد أن تهيأوا لدخول بلد الله الحرام، فأحرموا وساقوا الهدى واستعدوا لمناسك العمرة من سعي وطواف، وتهيأت قلوبهم ونفوسهم وعيونهم لتكتحل برؤية الكعبة والمشاهد، إذا بالمشركين يصدوهم عن أسمى أمانيهم وأغلى أهدافهم.

وجرت الأحداث متلاحقة لتؤكد عزمهم على الدخول ولو بالقوة بعد بيعة الرضوان، ولكن سرعان ما تبخرت أحلامهم بعد عقد اتفاقية صلح الحديبية، فقد ظن كثير من المسلمين لأول وهلة، أن شروط صلح الحديبية فيها كثير من الغبن والضيم على المسلمين، حتى راجع عمر أبا بكر في ذلك، فقال له أبو بكر، الزم غرزه، أي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أشهد أنه رسول الله، وراجع عمر رسول الله، وقال له، علام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال له” أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني” وكان من ضمن شروط صلح الحديبية التي أحزنت المسلمين غير رد من جاء من مكة من المسلمين المستضعفين منع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة من الاعتمار في هذا العام، على أن يعودوا العام المقبل، فإذا كان العام القادم، خرجت قريش من مكة ثلاثة أيام، ثم يدخلها المسلمون، فيقيمون بها ثلاثة أيام ليس معهم إلا سلاح الراكب وهو السيوف في القرب.

قد يعجبك ايضا
تعليقات