فجرُ جديد

بقلم _السيد عيد

في ذات ليلة من ليالي الشتاء الممطرة جلست متأملا الشمس الغائبة عن احدي القري .. أراقب أسراب الطيـور وهي تعود إلى أعشاشها ” وأنا في طريقي لزيارة أحد الأصدقاء.

وسط هذا الجو المرعب والملبد بالغيوم والأعاصير، كان هناك صوت لأحد الاشخاص يمشى وحده عندها سمعت صوتًا يرتجف، ويئن، ويهمس، فى تأوهات مرعبة، فتوقفت عن السير بالسيارة مبهوتًا مرتجفا وأنا أتابع مصدر الصوت.

وإذ بي أري سيدة عجوز تجلس على حجر كبير، وقد ضمت ركبتيها، وشدت أطراف جلبابها القديم المتهالك تحت قدميها، بعدما غاصت أطراف ثوبها في مياه الترعة 

كانت تطوي ذراعيها على صدرها، وتخبئ كفيها تحت إبطيها، من شدة البرد القارص.

هنا تذكرت حكايات جدتي عن “الجنية” التي كانت تجلس تمشط شعر بناتها الجنيات الصغيرات تحت صنبور المياه المتدفق بغزارة! التي تخرج من بين البيوت متزينة، فتطرق بيديها على نوافذ البيوت فتفتك بضحاياها…. 

وحكاياتها عن خروج عفاريت القتلى من البشر من بين المقابر، يضربون بعصاياهم على صفيح بأيديهم بأصوات مرعبة! الكثير والكثير من الحكايات المرعبة، أبو رجل مسلوخة والنداهة ونادية المحروقة 

لحظات من الوقت مضت وكأنها ساعات، وما بين قدم تتقدم وأخرى تتراجع إلى الوراء نعم إنه الصراع بين الخوف والثبات..

حتى انتصرت شجاعتي على الخوف المميت الذي كاد أت يفتك بي فاقتربت منها سائلا لها أأنت جنية أم إنسية ولماذا تجلسين في هذا المكان الموحش، فإذا بها تجيبني بصوت مكلوم عن حالها بعدما جار عليها الزمن، وأخذ منها وحط!

وجلست تشتكي الي الله دون خوف وما هي إلا لحظات حتى صفت السماء متوقفة عن رعدها؛ فظهرت نجومها لامعة، وكأن الظلام قد انقشع، والقمر قد عاد بثغريه متبسما

وكأنها جاءت لترسل لنا رسالة وتفسر الحقيقة المؤكدة عن صورنا المستترة بكثير من التفاسير التي ترسي لدينا قواعد الخوف،

 لسنا بصدد تقييم صدق تلك الحكايات أو التشكيك فيها،

فمنذ زمن قديم لم تتوقف مخيلتنا عن تضخيم الحكايات التي تخص عذاب القبر، وعذاب جهنم، وأهوال يوم القيامة، والمسيح الدجال، بكل ما تتضمنه تلك الحكايات من صور مرعبة، مثل الثعبان الأقرع الذي يعذب تارك الصلاة، أو الكاذب الذي سيعلق من لسانه في حديد منصهر في جهنم.

أتساءل عن كم الرعب الذي تتركه ينمو داخل الأطفال، وهل من المناسب فعلًا أن تكون تلك الحكايات مدخلًا لتعليم الأطفال أساسيات وقواعد الدين

القرآن فيه خطاب الترغيب والترهيب ، ولكن الترهيب ليس هدفه التخويف بل لتنبيه الناس من إرتكاب الأخطاء. فإن إبلاغ الناس بخطر سيقع ليس من أجل تخويفهم بل للحذر وأخذ الحيطة، القرآن تحدث عن الجنة كما تحدث عن النار ، 

أذكركم بهذه القصة

شاب في مقتبل عمره كان يصلي في المسجد جماعةََ ورن هاتفه ولم يحسن أن يغلقه أثناء الصلاة وعندما انتهت الصلاة قام بعض المصلون بتوبيخه وشتمه وإحراجه أمام الناس، وخرج من المسجد مكسور الخاطر باغظاََ لهذه المعاملة، واتجه إلى مقهى قريب من المسجد وطلب من صاحب المقهى فنجاناََ من القهوة وبالخطأ أوقع الفنجان فإرتبك وأُحرجَ وصار يعتذر، وهم بدفع ثمنه فقال له صاحب المقهى بابتسامة لطيفة : لا تقلق فداك ألف فنجان.

وبعد هذه الحادثة أصبح زبون دائم في هذه المقهى

وها هو اليوم بعد 20 سنة لم يدخل المسجد ولم يصلي لله ركعة واحدة

بشروا ولا تنفروا، رغبوا ولا ترهبوا 

أجعلوا الأطفال يعشقون هذا الدين وينتظرون الصلاة إلى الصلاة وليس العكس

استيقظت والأسئلة تلاحقني عن جدوى حكي مثلها للأطفال،

استيقظت من نومي ولم تعد تخيفني أحاديث جدتي،

فربما يأتي اليوم الذي يحن فيه إلى هدأة الليل الطويل،

ببزوغ فجرِ جديد .

فجرُ جديد
Comments (0)
Add Comment