دنيا ودين ومع رمضان شهر الجهاد والصبر ” الجزء التاسع “

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع رمضان شهر الجهاد والصبر، وقد توقفنا عند الإنتصار فى رمضان على آفات اللسان، وإن من الاستهزاء بالدين، هو الاستهزاء بأحكامه كمن يبلغه حكم الله، فيقول كيف هذا؟ هذا لا يصلح أو هذا غير صحيح, وهذا قول قديم ورجعية، وتخلف، كلمة يهوى بها في نار جهنم سبعين خريفا، لذلك أرشد النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه إذا وجدوا في قلوبهم شيئا من الشك مما قد يدور في خلجات النفوس، أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، ومن وسوسته ونفثه ونفخه، إذ أن هذا لا يستقيم مع الايمان، ومن آفات اللسان هو الغيبة، فقال الإمام مالك رحمه الله “أعرف أناسا لا عيوب عندهم تكلموا في أناس، فأوجد الناس لهم عيوبا، وأعرف أناسا عندهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فسكت الناس عن عيوبهم” فمن تكلم في الناس تكلموا فيه، وقيل الغيبة، هي خيانة اللسان، وهى من صفات الفساق، فقال صلى الله عليه وسلم “من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة” رواه البخارى ومسلم، ومن ستر مسلما فى عرضه أو ماله أو جسده. 

 

أو بيته، أو أهله، أو بدنه، أو في أي شيء قد يستنقص منه، ستره الله، ومن ستر جاره, أو مرؤوسه في العمل أو موظفيه، أو أصدقائه، وإخوانه ومقربيه، ستره الله وقال فى مقابل ذلك فيمن يتتبع عورة المسلم ليفضحه”يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته” رواه أحمد، وأبو داود، فالغيبة آفة لا يحيا بعض الناس إلا بها فبعضهم إذا كان غنيا يسم الناس بالفقر أو شجاعا يصف الناس بالذلة والجبن، فيكشف الله عورته، ولو أوصد نوافذ بيته، أو أغلق الأبواب، ولو فعل الأفاعيل، ومن الناس من هو كالذباب لا يقع إلا على العورات، والأوساخ وأقذر الأمور، فإن تتبع العورات قد يكون باللسان، وقد يكون بكلمة عابرة تلقى على امرأة مسلمة لا يلقى لها بال، فتغضب الله، وإن من آفات اللسان أيضا هو كثرة الكلام في الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم “وكره لكم قيل وقال” رواه البخاري ومسلم. 

 

وقال صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم والآخر، فليقل خيراً أو ليصمت” رواه البخاري ومسلم، فإن بعضهم لا يستطيع أن يصمت لحظة عن الكلام، فهو فى الشارع يتكلم، وفي العمل يتكلم من غير فائدة، لذلك قال سلمان الفارسى رضي الله عنه “أكثر الناس ذنوبا يوم القيامة، أكثرهم كلاما فى معصية الله عز وجل” وهو ليس من كلام النبى صلى الله عليه وسلم، بل هو موقوف على سلمان الفارسى، وهكذا فإن الغيبة، والنميمة, وشهادة الزور وتتبع للعورات والاستهزاء بالدين والكلام في الصالحين, والاعتراض باللسان على أحكام الله، كل ذلك من آفات اللسان، لكن السؤال لماذا؟ وما هى أسباب زلة اللسان؟ ولماذا الإنسان يقع في هذه الآفات؟ ولماذا الكاذب يكذب؟ ولماذا المغتاب يغتاب؟ ولماذا النمام يقع في النميمة؟ ولماذا يقف شاهد الزور عند القاضى في الدنيا، فيشهد شهادة كاذبة، وهم جميعا يعلمون في أنفسهم أنهم غير صادقين؟ وهو إن من أظهر الأسباب التى تجعل الإنسان لا يضبط لسانه، هى ضعف عظمة الله في قلبه. 

 

فالذى يعرف قوة الله، وبأسه وعلمه، وسعة سمعه عز وجل، وأنه السميع العليم البصير, الذي يرى مكانك، ويسمع كلامك ويعلم ما ينطق به لسانك كل من لا يعرف ذلك، أو غفل عنه، يقع فى آفات اللسان، وفي المقابل كيف يكذب من يعلم أن الله يسمع كلامه؟ وكيف يشهد الزور من يعلم أن الله عز وجل يسمع شهادته في الدنيا، وسيحاسبه عليها في الآخرة؟ وكيف سيغتاب؟ وكيف سيقع في النميمة من يعرف ويعلم عظمة الله عز وجل؟ لذلك كان أصحاب النبى الكريم صلى الله عليه وسلم يخافون من الله، ويعرفون قدرته، فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى علي بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سنى، وانقطع ولدى، ظاهر منى، اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات من سورة المجادلة ” قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله” 

 

رواه ابن ماجة، والنسائي، وأحمد، فما أعظم سمع الله تعالى لكل شيء، فما تكون وحدك إلا والله يسمع كلامك، ويرى مكانك، ويعلم بحالك، وإن من أسباب الغيبة والنميمة، والكذب، وشهادة الزور أيضا هو سوء التربية، أو ضعفها، فالأب، والأم، قد يربون أبناءهم من الصغر على الكلام البذيء, والكذب والغيبة، بل قد يربيه أبوه على أن الكذب شطارة، وأنه سياسة وفحولة وذكاء، وبعضهم يقول له إذا أرت أن تأخذ حقك افعل أى شيء، اكذب، اشهد زورا قل أى شيء كن رجلا، وقد يسمع الطفل الصغير أباه يكذب، أو أمه، أو أستاذه، أو صديقه، والتلفزيون يربيه على الكذب، والبائع، فكيف سيكون هذا الطفل صادقا؟ هل ستنبت الأرض لنا صادقين؟ إذا لم يكن الأب صادقا، والأم صادقة، فمن أين سيخرج لنا صادقون؟ فانظر إلى الكلمة التي قالها أبو ذر الغفارى لبلال، وكلاهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بلال مؤذن النبى عليه الصلاة والسلام، أسود البشرة وأمه سوداء، هكذا خلقهم الله، قال أبو ذر لبلال “يا ابن السوداء”

 

فذهب بلال إلى النبى صلى الله عليه وسلم يشكو أبا ذر، فقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر “إنك امرؤ فيك جاهلية” رواه البخاري ومسلم، فكم فينا من الجاهلية؟ فنحن ركبت الجاهلية من رؤوسنا إلى أقدامنا، فإذا كان أبو ذر فيه جاهلية لأنه قال يا ابن السوداء، فكم فينا من جاهلية، وكم نعيش من جاهليات؟ فانظر إلى خطورة اللسان، فقالت السيدة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا وتعنى أنها قصيرة، فقال “لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته” رواه أبو داود، وأحمد، أى بمعنى دنسته وأفسدته، ولقد أذهب كلام الفاسقين من مغنين وأفاكين، وغيرهم الحياء، فلوثوا الفطر، ودنسوا الكلمات الطيبات، حتى منع القطر من السماء، ومنعت خيرات الأرض, ومنع الزرع ثمرته ولولا البهائم والدواب لما أمطرنا، وأصبنا بالذلة والمهانة، أتعرفون لماذا؟ لقول الحق سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الروم ” ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس” وأيضا من أنواع الإنتصار فى رمضان.

 

هو الانتصار على الكسل والسلبية واللامبالاة، فالصيام ميدان رحب لتحقيق كل مظاهر الجدية والإيجابية لدى المؤمن، من خلال مضاعفة أجر الطاعات، وفتح أبوابها على مصراعيها، وترغيبه فيها من الله، بأن صفد له الشياطين، وأكرمه بجملة من النفحات، رحمة ومغفرة وعتق من النار وفرحتان وباب الريان وخلوف فمه كريح المسك وغيرها، فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، وينادى مناد يا باغي الخير أقبل، و يا باغى الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة” وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رمضان فقال ” تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين، وينادى فيه مناد كل ليلة يا باغى الخير هلم، ويا باغى الشر أقصر، حتى ينقضي رمضان” فالصيام ينمى روح الإيجابية والفعالية والشعور بالمسؤولية، فيتعلم فيه الفرد فن الانتصار على السلبية واللا مبالاة وتبلد الشعور بالتبعة والتفريط في القيام بالواجب.

دنيا ودين ومع رمضان شهر الجهاد والصبر " الجزء التاسع "
Comments (0)
Add Comment