القاهرية
العالم بين يديك

نسيت ملامحي

137

كتب/ أحمد النحاس
في الليل لا شيء يدهشني ظلام مترهل يكسو بأطرافه أزقة هجرتها المصابيح ونجوم كسلى تائهة غلبها النعاس وقلوب حمقاء لا تكف عن الدمع ولا تنام.
ذات ليل كانت الحياة جميلة بما فيها ومن فيها، لم يكن للعتمة وجودًا، كانت النجوم تسبح بأريحية الأسماك الملونة في سماء سريعة الصفاء، كنا نضحك ونمرح ببراءة أطفال لم يُكلفوا، كانت حاضرة بكل تداعيات المشاعر، تشرق الشمس من وجهها ولا تغيب، تشاطرنا الليل، تلعب مع القمر لعبة الصراحة وألعب معها لعبة الشفافية، كان من الممكن أن نتوحد سويًا ونتعاهد على ألا نفترق، لكن الشمس لم تكن أبدًا لتشرق ليلًا، كانت متكبرة على الدوام، كيف للقمر أن يتحمل مزاجيتها الحارقة، دائمًا يعكس نورها ليثبت للناس وجودها، أما أنا كيف لي أن أثبت لسكان النهار وجودك؟!
على استحياء جلست أتصفح صورها في ذاكرتي، يا الله كيف لها أن تكون بكل هذا الحسن، هي نوع من الضوء الذي يلتحم مع شفافية الأسطح فيقيم كرنفاله الخاص، حاولت التقاط ما أتوسم فيه شيئًا يجعلني أمحي ذكراها وتنتهي قصتها عند هذا الحد، لكنني لم أجد وكانت الخيبة من نصيبي، ما العيب في أن تكون حاضرة تملأ الزمان والمكان، تحاصرني كما تحاصر الأقمشة الجديدة أقراص الحفظ في صرة الملابس، تنطلق نحوي كما ينطلق السهم نحو الفريسة وأنطلق نحوها كما لو أن الفريسة تهرب، ما العيب في حب السلامة والتخلص من إطار الصور الباهت القديم وصناعة آخر جديد وتأتِ؟
أتساءل: ماذا لو أنقرض لبعض الوقت ونعود فنلتقي في مكان يشبه هذا الذي التقينا فيه أول مرة، هل سيكون هناك فرق إن حدث الأمر لمرة ثانية، أمدد قدماي على مكتبي وأسند رأسي على ظهر الكرسي كوطواط يتدلى من غصن، تمتلئ رأسي بالأفكار وتتسابق فيها الأسئلة، لقد كنت حزينًا بما يكفي لأعلن الهدنة مع الذاكرة عوضًا عن تهشيمها، زرعت حولي الكثير من الأشجار لكنها أبدًا لم تثمر، قلت: يكفيني الظل، لكنها أبدًا لم تظللني، حاولت مرارًا إعادة ترتيب اللوحة لتكون أقرب للحقيقة، خرجت من شرنقة الوحدة قليلًا وقبل أن أتأهب للانطلاق خانتني حواسي المضطربة من ضجيج الشارع، فعاودت الكرة وأخذت ألملم ملامح المكان القديم حتى نسيت ملامحي.

قد يعجبك ايضا
تعليقات