كتبت- رانيا ضيف
الإنصات الفعال هو مهارة تدعم كل العلاقات الإنسانية الإيجابية،
فالإنصات الفعال غير الاستماع، ويعني الاستماع باهتمام وبكل الجوارح ومن خلال ملامح الوجه ولغة الجسم والرسائل الإيجابية التي يبعثها المنصت الإيجابي للمتكلم .
أول من علمني مدى أهمية الإنصات الفعال وتأثيره فى النفس كانت طفلة فى الحادية عشر من العمر زميلة لابنتي من خلال موقف حدث بينهما؛
ففي نهاية العام الدراسي عادت ابنتي للمنزل وبيدها مذكرة لافتة للنظر، سألتها ما الذي بيدك ؟
قالت : هدية من صديقتي تذكار منها .
قمت بفتح المذكرة وجدت بها كتابات متنوعة باللغة الإنجليزية، ورسومات بديعة، وكلمات تأخذ القلب !
انبهرت من أسلوب البنت وجمال تعبيرها
وتعجبت، فقلت لابنتي: ولكن تبدو هذه مذكرات صديقتك لم أهدتها لك وفي الغالب ليس لديها نسخة أخرى ؟!
قالت هو كذلك بالفعل؛ فصديقتي تتطلع لأن تكون أديبة تقرأ، وتكتب كثيرا وتعبر عن مشاعرها ببراعة، ومتميزة جدا في هذا الجانب، ولكنها اليوم قررت أن تهديني أغلي أشيائها على قلبها لأنني كنت صديقة جيدة !
فقالت لي : أنني كنت مستمعة جيدة للغاية
استمعت لها بحرص واهتمام وكانت تفتقد ذلك وبأنها ستفتقد دعمي واهتمامي وجمال روحي،
لذلك عبرت لي عن امتنانها الشديد ومحبتها بأغلى ما لديها وهي كلماتها .
احتضنت ابنتي وفرحت بدعمها لصديقتها،
ولكن استوقفني الموقف وتعلمت منه أن إنصاتك الجيد ربما يكون أروع ما تقدمه لمن أمامك وهو وسيلة سهلة لكسب القلوب .
وتذكرت مقولة “رايتشل نعومي ريمن”
” إن الطريقة الأساسية والمجدية للتواصل مع شخص آخر هي الإنصات، أنصت فقط. فلعل أهم ما نمنحه بعضنا البعض على الإطلاق هو الانتباه ” .
كما في كتاب ستيفن كوفي العادات السبع لأكثر الناس إنتاجية، تحدث الكاتب عن أب يجد أن علاقته بابنه ليست على ما يرام، فقال لستيفن: لا أستطيع أن أفهم ابني، فهو لا يريد الاستماع إلي أبداً.
فرد ستيفن: دعني أرتب ما قلته للتو، أنت لا تفهم ابنك لأنه لا يريد الاستماع إليك؟
فرد عليه “هذا صحيح”
ستيفن: دعني أجرب مرة أخرى، أنت لا تفهم ابنك لأنه -هو- لا يريد الاستماع إليك أنت؟
فرد عليه بصبر نفد : هذا ما قلته.
ستيفن: أعتقد أنك كي تفهم شخصاً آخر فأنت بحاجة لأن تستمع له.
فقال الأب: أوه (تعبيراً عن صدمته) ثم جاءت فترة صمت طويلة، وقال مرة أخرى: أوه!
إن هذا الأب نموذج صغير للكثير من الناس، الذين يرددون في أنفسهم أو أمامنا: إنني لا أفهمه، إنه لا يستمع لي! والمفروض أنك تستمع له لا أن يستمع لك!
وهو يعني اهتماما بما يريد الطفل التعبير عنه.. ويعني اهتماما إيجابيا بالرسائل الخفية للطفل.
ومفتاح الإنصات الفعال يكمن في الرسائل غير اللفظية وفي الاتصال غير الشفوي الذي يرسله الأب لابنه.. من خلال الابتسامة ولغة الجسم وملامح الوجه ونبرات الصوت المعبرة عن الحنان والمحبة والود التي تنبعث بين الفينة والأخرى معبرة عن موافقتك وتفهمك لما يقوله الابن.
و لا يكتمل إلا من خلال الاتصال غير اللفظي الذي يطمئن الابن ويعيد له توازنه النفسي..ويقضي بالتالي على مقاومة الطفل للرسائل التربوية الصادرة عن الآباء.
أهمية الإنصات الفعال:
بالنسبة للأب: ” بناء علاقات وطيدة مع الأبناء وطريق لتجاوز الحالات المتوترة بين الوالدين والأبناء. فهم الابن وتفهم حاجاته ورغباته. إن الأطفال عادة ما يعاندون ويبدون مقاومة لرغبات الوالدين.. والطريق السليم لامتصاص هذه المقاومة هو تخصيص وقت للإنصات الفعال للطفل.. فكلما تحدث الابن ووجد قبولا واهتماما كلما ضعفت المقاومة السلبية لديه وقل عناده.
إن تخصيص وقت للإصغاء للطفل خطوة ضرورية في التربية الإيجابية لا غنى للمربي عنها.. فكما أننا نخصص أوقاتا لشراء ما يحتاجه أبناؤنا، ووقتا للاهتمام بصحة أبدانهم ونظافتها فكذلك نحتاج تخصيص وقت للإنصات لهم مهما قل هذا الوقت. ولتفادى تضييع ساعات طويلة في معالجة مشكلات ناجمة عن قلة التواصل أو مناقشة حالة توتر..!!
إن تخصيص وقت للإصغاء للطفل ينمي الحوافز الإيجابية لدى ابنك ويغرس لديه الدوافع التي تزود سلوك الإنسان بالعمل الصالح وملء الوقت بما ينفع دنيا وآخرة.
فتخصيص وقت للإصغاء للطفل تعني أنك تود التواصل مع ابنك وتحاول وأنك تشعر به.. وقبل هذا وذاك تعني أنك تتقن فن الأخذ والعطاء.. وتمهد قلوب الأبناء وبصيرتهم للإنصات الفعال ”
بالنسبة للابن: ” يعلم الولد الطلاقة في الكلام.
يساعده على ترتيب أفكاره وتسلسلها.
يدربه على الإصغاء، وفهم ما يسمعه من الآخرين.
ينمي شخصية الولد، ويصقلها. يقوي ذاكرته، ويعينه على استرجاع ما مضى. يزيده قرباً من والده.
وعن كيفية وطرق الإنصات الفعال انتظرونا في المقال التالي ..