القاهرية
العالم بين يديك

صفقة مع الجن في رواية سرداب الجن ، للمؤلف ممدوح عبد الهادي

264

بقلم الناقد الأدبي د/عادل يوسف.
الصفقة مع الجن هي اتفاق بين شخص بشري وبين جني مقابل شيء ما يستفيد منه كلا الطرفين ، وتتنوع هذه الصفقات بين الثروة ، والشهرة ، والمجد ، وغيرهم.
وفي رواية سرداب الجن للمؤلف ممدوح عبد الهادي يقوم بطل الرواية (داود) بعقد صفقة مع جنية تدعى (شيرة) للانتقام من سعادة البيه
( صفوان) الذي قتل والده وحبس جده في مقابل أن يتزوج داود من الجنية
( شيرة).
وينجح داود بمساعدة الجنية ( شيرة) في الانتقام من (صفوان) والحصول على ثروته التي نهبها صفوان وأن يخرج جده من محبسه ،ولكن يموت جده بعد يوم واحد من خروجه من محبسه .
ولكن دعونا نتساءل لماذا مات الجد بعد خروجه بيوم واحد من محبسه ؟!
أقول لكم : إن داود استعان بالجن؛ ليخرج جده من المحبس ،والله تعالى يقول : ” وأنه كان رجال من الأنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا”
لذلك مات الجد بعد خروجه من المحبس بيوم واحد .
ويستمر داود في الانتقام من سعادة البيه ويحاول الاستيلاء على الأرض والسراية والكنز.ولكن يموت سعادة البيه بأزمة قلبية نتيجة جشعه وطمعه.
ونتيجة مخالفة (داود) لبنود الصفقة مع الجنية (شيرة) يستعين داود بالجن الأسود، ويحدث صراع قوي بين الإنس وبين الجن .
ويقوم الجن الأسود بهدم القرية كلها وإشعال النار في محصول القمح كله حتى تصبح القرية كلها كأنها كتلة فحم ، ويترك المقاول القرية ولا يستطيع إقامة أي مشروع فيها، وتتحول كل طوبة في القرية إلى أفعى عملاقة ، وتظهر الذئاب العملاقة والقطط السود والقرود .
ويستطيع (داود) التعاون مع أهل القرية وتلاوة آيات من القرآن الكريم فيقضي على الجن ويقتحم السرداب ويبني القرية من جديد.

التحليل النقدي لرواية سرداب الجن:
الشخصيات:
الشخصيات في الرواية ليست كلها من البشر، بل يوجد منها شخصيات من الجن مثل (شيرة) الجميلة التي أحبت (داود) ، وهناك شخصيات من الإنس مثل : (داود) ، وصفوان ، ومحروس، وغيرهم.
والعالم الذي تتحدث عنه الرواية ليس العالم المادي الذي نعيشه، بل يشمل عالم الجن وما فيه من أسرار، ويشمل أيضا عالم من الخيال العلمي ، فالكاتب يقول إن هناك مخلوقات فضائية نزلت إلى الأرض من الفضاء.
ونلاحظ دقة الكاتب في اختيار أسماء شخصيات الرواية فكان حريصا على اختيار الاسم الذي يتناسق ويتناغم مع دوره في الرواية، ويتضح ذلك من اختيار اسم ( داود) وهو اسم النبي داود الذي كان يتحكم في الجن ويسخره له في كل الأعمال.
-(شيرة) اسم يدل معناه على الجمال والحيوية .
-(صفوان) اسم معناه الحجر الأملس الذي لا ينبت فيه أي شئ ، وهواسم سعادة البيه الذي يدل على أنه رجل مستبد، قاتل، إقطاعي ، جشع لا خير فيه ولا صلاح كالحجر الصخري الأملس الذي لا يحتفظ بالماء.
مضمون الرواية:
تناولت الرواية العديد من الأفكار المهمة مثل : مشكلة معاناة القرية المصرية الصعيدية عندما يتحكم فيه رجل ظالم مستبد سفاك للدماء وقد رمز له الكاتب بـ ( سعادة البيه) ، كما تناولت قضية التنقيب عن الآثار المصرية وبيعها وتهريبها ، كما بين لنا الكاتب مدى التعاون والترابط بين أبناء القرى حينما تنزل بهم كارثة، كما أكد لنا أن من يستعن بالجن سوف يصيبه التعب والإرهاق.

أسلوب الرواية:
أبدع ممدوح عبد الهادي في سرد روايته، إذ يدل أسلوبه على خياله الخصب وعمق الفكرة وربط الأحداث ببعضها، وقد استطاع الكاتب أن يجعل المشاهد والأحداث حية واقعية كأنك تراها ماثلة أمامك ومن ذلك قول الكاتب :
” ذهبنا إلى فوجدنا كل طوبة أفعى عملاقة ، صرخت جميلة ، وهربت إلى السيارة ، وظللت مكاني ، أنظر إليهم ، ماذا يريدون ، أصبحت الدار حطاما ، أشعل الجن النيران في القرية حتى أصبحت كتلة فحم”
الحوار:
اتصف الحوار بالتشويق والجمل القصيرة، وتنمية الحبكة مما أضفى عليه جمالا ومن خير نماذج الحوار:
-شيرة : نعم أساعدك ولكن ….
-داود: ولكن ماذا؟
-شيرة: أن تحفظ السر، ولا تطلع عليه أحدا.
-داود: موافق.
-شيرة: أن تتزوجني.
-داود: ماذا؟ هل يجوز الزواج من جنية؟ّ

وأخيرا تقييم الرواية :
أقول: أعجبني السرد الوصفي في الرواية .حلقت مع خيال الكاتب الواسع ،أحسست كأني فعلا داخل السرداب، أرى ما يحدث وأتفاعل مع الشخصيات ، وأشاهد بنود الصفقة مع الجن.
جذبتني قوة الصراع الأبدي بين الإنس والجن ، واستمتعت بحلاوة الأسلوب وجمال اللفظ .
وفي النهاية : أقول للؤلف مممدوح عبد الهادي ولكل كاتب موهوب ـ
إن هناك سرين من أهم أسرار الروائي الناجح وهما :
السر الأول : قدرة المؤلف أن يكون أي شخص غير ذاته ، وقد تحقق هذا الأمر في الرواية فوجدت ممدوح عبد الهادي مرة داود ، ومرة سعادة البيه وغيرهم ، ومرة الجنية.
السر الثاني : قدرة المؤلف على إيجاد التناغم والإيقاع في العمل ، وهذا الأمر لاحظته أيضا واضحا في روايته؛ فقد كانت سريعة الإيقاع متدفقة الأحداث.

قد يعجبك ايضا
تعليقات