القاهرية
العالم بين يديك

ما وراء رسائل في جوف الليل للكاتبة رانيا ضيف

182

بقلم محمود أمين

لم يكد هذا العام أن ينصرم إلا و أتحفتنا الكاتبة الرائعة رانيا ضيف بكتاب في أدب المراسلات، بين يديه معنى من معاني الحقيقة البشرية، يحمل في طياته رسائل هي نشيد كل نفس، فلو قرأت المعاني التي حوتها ألفاظ كتابها؛ لحسبت أن نفسك التي تتكلم، وزادت أن جاءت رسائلها على لسان ضمير المتكلم؛ فلن تمل من القراءة فهي حديث نفس وزفرات توالت حتى أنك لتشعر بحرارة الأنفاس التي تصاعدت إثر كل رسمة ووسمة وتعبير.
والرسائل عامة قل متقنها أو هي من الصعوبة أن يكتبها كاتب، فهي تعبير عما يجول في النفس من مواقف، وإني لأحسبها أصعب ما يكون من الكتابة فنحن حين نكتب رسالة نتخيل آخر يتلقفها وينظر خلالها، فيميل طربًا مع كل معنى جميل، ويشهق حزنًا مع كل ألم ألمّ بنا، فأنت أمام نفسك تعبر وأمام الآخر تبث ما في ذاتك، وأشد هذه المراسلات وحشة أن تكون لواحد هو بين الأحياء ولكنه مجهول حين نكتب له، فأنت لا تنتظر منه الرد، وقد زاد هذا بيان ودرر تخرج للعامة، يتناولون الكتاب وعينهم على المعنى دون الشعور، وقد يوفق المرء في التعبير عن مشاعره أو لا يوفق وأصعبه شعور ضاقت الألفاظ أن تحمل معانيه.
والكاتبة في كتابها تبحر بنا بين (شروق جديد) إلى (أشتاق إليها) ورسائلها لا تخلو من تنوع بين الجميل والأجمل بين ابنة هي أم أبيها وأم تحنو على ابنتها و أخت تلملم شتات أختها وبين أنثى تعزف ألحان الأنوثة على آلة الحب، وبين تعاليم وقيم قل أن يتكلم عنها الكتّاب في مراسلاتهم.
والخيال المسترسل الذي يكسو المعاني من حلل البهاء والديباجة المنسوجة على منوال الكلمات، وهي تجربة مختلفة تخطف الأنفاس وتجدد المعاني حين تقول: علمت كل جوارحي العصيان، فما عاد لي سيطرة على ما أملك فكيف بقلبي الذي لا أملكه يا سيدي؟
وحين تقول: انتزعت من قلبي الخوف شيئا فشيئا كما انتزع عشقك
الكلمات وعلمني البوح، كنت تفكك تلك العقد وتزيل رواسبها ثم تغرس الثقة، كل المواقف الحزينة التي انطبعت بذاكرتي حررتني منها، رآني العالم أنثى جميلة وهادئة وواثقة ورزينة وربما تجنح للعزلة أحيانا ورأيت أنت الطفلة الخائفة المكبلة بخوفها داخلي، حررتها فصرت ألعب وأرتع وأعيش طفولتي معك.

هذا؛ وللمتأمل حظ من الجمال، وإني لأنصح القارئ الكريم أن يكون عظيم حظه حين يقرأ أن يتأمل الكتاب كما يتأمل الشفق الوردي حين تغيب الشمس بين السحب، وقد سكبت حمرتها على الأفق، وتمددت الظلال في أريحية عجيبة، وهدأت النفوس من عملها طيلة النهار فهي تحتاج إلى بساط تتمددعليه وإلى سقف تزين بالنجوم المتلألئة تتردد في حسنه العين؛ فخذ كتابها بيمينك ولن تندم على هذه التجربة.

وأختتم كلماتي بكلمات مزجتها الإنسانية السامية في قلب أنثى تقول: أكتب إليك الآن لأنني بحاجة لأن أتكئ على كتفك، أضع رأسي الثقيل بالأفكار على صدرك، أريد أن أبكي وأن تحتوي قلقي، أستريح بين عينيك وأغفو.

قد يعجبك ايضا
تعليقات