نهال يونس
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: (يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِيْ وَرَجَوتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِيْ، يَا ابْنَ آَدَمَ لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ استَغْفَرْتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيْتَنِيْ بِقِرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقِيْتَنِيْ لاَ تُشْرِك بِيْ شَيْئَاً لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغفِرَةً) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحَيْحٌ.
شرح الحديث :
قوله: (مَا دَعَوتَنِي) (ما) هنا شرطية، وفعل الشرط: (دعا) في قوله: (دَعَوتَنِي) وجواب الشرط: (غَفَرْتُ) . (مَا دَعَوتَنِيْ) الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء مسألة، ودعاء عبادة. فدعاء المسألة أن تقول: يا رب اغفر لي. ودعاء العبادة أن تصلي لله فنحتاج الآن إلى دليل وتعليل على أن العبادة تسمّى دعاءً؟ الدليل: قول الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فقال: (ادْعُونِي) ثم قال: (يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) فسمى الدعاء عبادة، وقد جاء في الحديث: “أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ العِبَادَةُ” ووجهه ظاهر جداً،لأن داعي الله متذلل لله عزّ وجل منكسر له، قد عرف قدر نفسه،وأنه لا يملك لها نفعاً ولا ضرّاً. أما كيف كانت العبادة دعاءً: فلأن المتعبّد لله داعٍ بلسان الحال، فلو سألت المصلي لماذا صلى لقال: أرجو ثواب الله، إذاً فهو داع بلسان الحال، وعليه فيكون قوله: (مَا دَعَوتَنِيْ وَرَجَوتَنِي) يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة، ولكن لاحظ القيد في قوله: (وَرَجَوتَنِيْ) فلابد من هذا القيد، أي أن تكون داعياً لله راجياً إجابته . وقوله: (غَفَرْتُ لَكَ) المغفرة: هي ستر الذّنب والتجاوز عنه. (عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ) أي على ما كان منك من الذنوب والتقصير. (وَلاَ أُبَالِي) أي لا أهتم بذلك. (يَا ابْنَ آدَمَ لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ) المراد بقوله: (عَنَانَ السَّمَاء) أي أعلى السماء،وقيل إن (عَنَانَالسَّمَاء) ما عنَّ لك حين تنظر إليها ، وقيل (عَنَانَ السَّمَاء) أي السحاب أعلاه، ولاشك أن السحاب يسمى العنان ، لكن الظاهر أن المراد به (عنان السماء) . والسماء على الأرض كالقبة له جوانب وله وسط، أعلاه بالنسبة لسطح الأرض هو الوسط. (ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِيْ) أي طلبت مني المغفرة، سواء قلت: أستغفر الله، أو قلت: اللهم اغفر لي. لكن لابد من حضور القلب واستحضار الفقر إلى الله عزّ وجل. (يَا ابنَ آدَمَ إنِّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقِرَابِ الأَرْضِ خطَايَا ثُمَّ لَقِيْتَني لا تُشْرِك بِيْ شَيْئَاً لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغْفِرَةً) قوله: (لَوْ أَتَيْتَنِيْ) أي جئتني بعد الموت. (بِقِرَابِ الأَرْضِ) أي ما يقاربها، إما ملئاً،أو ثقلاً، أو حجماً،خَطَاياجمع خطيئة وهي الذنوب، (ثُمَّلَقِيْتَنِيْ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئَاً) قوله: (شَيئَاً) نكرة في سياق النفي تفيد العموم أي لا شركاً أصغر ولا أكبر، وهذا قيد عظيم قد يتهاون به الإنسان (لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغْفِرَةً) وهذا لاشكّ من نعمة الله وفضله، بأن يأتي الإنسان ربه بملء الأرض خطايا ثم يأتيه عزّ وجل بقرابها مغفرة، وإلا فمقتضى العدل أن يعاقبه على الخطايا .
ترجمة الراوي :
هو أنس بن مالك بن النضير بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.كنيتة :أبو حمزة الأنصاري الخزرجي، كناه النبي ﷺ أبا حمزة ببقلة كان يجتنبها ، ثبت مولد أنس قبل عام الهجرة بعشر سنين .قدم النبي ﷺ المدينة وهو بن عشر سنين فأتت به أمه أم سليم النبي ﷺ لما قدم فقالت له هذا أنس غلام يخدمك فقبله . كان أنس يقول : قدم رسول الله – ﷺ – المدينة وأنا ابن عشر ، ومات وأنا ابن عشرين . وكان يحثني على خدمة رسول الله – ﷺ فصحب أنس النبي- ﷺ – أتم الصحبة ، ولازمه أكمل الملازمة منذ هاجر ، أصيب أنس بن مالك في نهاية حياته بمرض البرص وضعف جسده، وتوفي في البصرة في السنة الثالثة والتسعين للهجرة في خلافة الوليد بن عبد الملك، وهو آخر من بقي من أصحاب النبي.