القاهرية
العالم بين يديك

يحيي الطاهر عبدلله خصوصية الرؤيا والتشكيل

224

ياسر عكاشة اسماعيل

تجربة يحيى الطاهر عبدالله (١٩٣٨ = ١٩٨١) شديدة الخصوصية حيث ضربت فى أعماق الريف الجنوبي وكشف فيها عن واقع اجتماعى خاضع لموروثات وتقاليد حازمة كأنها القيود أو الطوق الذى يحد من حرية الانسان المتمرد بطبيعته كما كشف فيها عن مناطق مسكوت عنها كأنه يريد تطهير هذا المجتمع وفك أسره من الموروثات البالية والخرافات التى تتحكم فى مصير أفراده ويمكن بشكل اخر القول انها وثيقة احتجاج وتمرد اجتماعى ضد سلطات متعددة . ..ولهذا يعد يحيى الطاهر عبدالله من أبرز رواد جيل الستينات حيث كان إنتاجه الأدبى يمثل استجابة للمتغيرات الاجتماعيه والفكرية فى ذلك الوقت هذا من جانب المضمون .اما من ناحية الشكل فقد خرج عن الأطر السائدة فى تلك الفترة ، فخلق عالم سردى خاص به تمازجت فيه فنون الادب المختلفة وبتقنيات من فنون اخرى كالكولاج والمونتاج السينمائي وغيرها فى بناء معماري سردى متفرد
يهدم من خلاله الحدود الفاصلة بين الوان الفنون المختلفة فصارت كتاباته (عابرة للنوعية) غير انها لا تعتمد على التجاور بل تذوب فيها الأجناس الأدبية لخلق نص له سماته الخاصة من خلال سرد شديد التكثيف أشبه بلغة الشعر فكسر الحاجز بين طبيعة لغة الشعر ولغة القص فخلق إبداع قصصى أقرب فى سماته إلى الشعر بمجمل تقنياته
يقول فى قصة شموس وهى من مجموعة انا وهى وزهور العالم
الزجاج عكر/وانا وجه مملوء بالتجاعيد/_جفونه وارمة …/ينتظر الموت
٠والامثلة عديدة نذكر منها ايضا فى القسم الاول من رواية الطوق والاسورة وتحت عنوان عقل حزينة قلب أم
عقل حزينة مع ابنها :هناك فى البلاد البعيدة .واذنها اليمنى التى تسمع _هنا:مع الحمام الذى يهعدل ؛المك لله…..الملك لله

والشاعريةلا تقتصر على الكلام الموزون المقفى فلم تعد اللغة حاملة للمعنى بقدر ما تحمل من شحنات نفسية ولذلك صارت اللغة مكثفة بل اصبح للحرف دور فى الدلالة ناهيك عن الجرس الموسيقى وكل هذا يتوفر بدرجة عالية فى ادب يحيى الطاهر واذا كان من سمات الشعر ان القصيدة تتكون من عدة صور او توقيعات كما اطق عليها عز الدين اسماعيل هذه الصور- خاصة فى شعر التفعيلة- رغم استقلال كل منها إلا أنها جميعا مترابطة بجو القصيدة النفسي . هذا فى الشعر اما فى الفن الحكائي فقد توفر هذا فى قص يحيى الطاهر فصارت الأحداث عنده فى شكل مشاهد/صور منفصلة متصلة فى ذات الوقت ومن مجموعها تتشكل القصة أو الرواية وتأكيدا على ذلك نجد أن بعض المشاهد فى رواياته قد كانت قصص قصيرة فى مجموعات قصصية أخرى .ويظهر هذا فى رواية الطوق والاسورة وما تضمنته من قصص قصيرة ذكرت فى االدف والصندوق مثل الموت فى ثلاث لوحات
وقد لا نغالى اذ قلنا ان يحيي الطاهر نقل لغة الشعر إلى القصة وكذلك التقنيات الجديدة التى ابتدعها الشعراء المجددين فى بناء القصيدة إلى الفن الحكائى وهذا ما يميز إبداع يحيي الطاهر عبدالله

قد يعجبك ايضا
تعليقات