القاهرية
العالم بين يديك

أكتوبر في عيون وقحه (3) سقوط عائلة أنشراح في بئر سبع

149

 

كتبته د/رانده شحاته

قصة خيانة “انشراح علي مرسي” و زوجها “إبراهيم سعيد شاهين من”، أو “دينا حاييم و موسى حاييم”، وهي أسماؤهم المستعارة التي اختارها لهم الموساد الإسرائيلي، وجرى تناول حكايتهما من خلال عمل درامي يحمل اسم مسلسل “السقوط في بئر سبع” عام 1994، للمخرج نور الدمرداش، والمؤلف عبدالرحمن فهمي، وسيناريو وحوار سامي غنيم، وجسد سعيد صلاح، وإسعاد يونس، شخصيتي “دينا و موسى” اللذان قاما بالتجسس لصالح المخابرات الإسرائيلية،
كان إبراهيم سعيد شاهين، يعيش بمدينة العريش، وعرف عنه انعدام الأخلاق باعتباره موظفًا مرتشيًا، وتم ضبطه متلبسًا قبل ذلك ومعاقبته، عاش في فترة من العوز والفقر، والحاجة إلى الأموال لإنفاقها على أبنائه الثلاثة من الذكور، والذين كانوا في مراحل تعليمية مختلفة.
تعرف “شاهين” على الحاكم الإسرائيلي في سيناء عقب هزيمة 1967، حيث كان الانتقال من العريش للقاهرة يتطلب موافقة المحتل الإسرائيلي، وفي الوقت الذي كان يرغب “شاهين” في الذهاب إلى القاهرة للاطمئنان على أطفاله، الذين كانوا يعيشون لدى شقيقه أثناء فترة الدراسة.
لم يستغرق “شاهين” وقتًا طويلًا لتجنيده من قِبل جهاز المخابرات الإسرائيلية، بصحبة زوجته “انشراح”، وتكرر سفرهما للخارج كثيرًا، الأمر الذي لفت أنظار المخابرات المصرية، وتم وضعهما تحت المراقبة، وأبنائهما الثلاثة الذين شاركوا في جمع المعلومات عن طريق أصدقائهم، حتى تم الإيقاع بـ”شاهين” أولًا بالقاهرة، وأثناء عودة زوجته من روما، بصحبة جهاز إرسال جديد، تم القبض عليها، وذلك عام 1974.
صدر حكم بالإعدام في حق الجاسوسة “انشراح” وزوجها الذي جرى تنفيذ حكم الإعدام فيه أولًا، فيما قدمت هي التماسًا بالعفو عنها بعد قضائها 17 شهرًا داخل السجن الحربي.
وفي لقائها مع سمير صبري، ببرنامج “النادي الدولي”، عقب قبول الالتماس وخروجها من السجن، قالت الجاسوسة “انشراح”، إنها سلمت أمرها لربنا “كنت متوقعة حكم الإعدام لأن ده جزائي، مكنتش بصلي قبل ما أتسجن، اتجهت للصلاة بعد كده، كنت ندمانة”.
الجاسوس “شاهين”، جرى تنفيذ حكم الإعدام بحقه، فيما سافرت “انشراح” وأبناؤها إلى إسرائيل في صفقة لتبادل الأسرى، وتخلوا عن ديانتهم الإسلامية، و”تهودوا”، وغيرت اسمها المستعار دينا حاييم، إلى دينا بن ديفيد، وأبناؤها “عادل ومحمد ونبيل” تغيرت أسماؤهم إلى “رافي، حاييم، يوسي”.

عانت “دينا” وأبناؤها بعد اعتناقهم الديانة اليهودية في البداية، من سوء المعاملة، وعدم إغداق الأموال عليهم وحصولها على راتب ثابت، واضطرت للعمل بتنظيف دورات المياه “الحمامات”، حتى بدأوا العمل مجددًا مع كبار المسؤولين الإسرائليين
وسافر أحد الأبناء إلى البرازيل مع زوجته الإسرائيلية، بينما عاش اثنان مع إنشراح في إسرائيل بأسماء يهودية، وافتتحوا مطعما للاسماك هناك.

ونشرت «وكالة التليجراف اليهودية»
أول حديث لها وأحد أبنائها، بعد 10 سنوات كاملة في إسرائيل، وتحديدًا في 28 نوفمبر عام 1989، ولفتت الوكالة إلى أن «المرأة المصرية التي تجسست يومًا لصالح إسرائيل هي وزوجها كسرت صمتها الذي امتد لعقد كامل عن العملية، مع شكوى من تجاهل السلطات الإسرائيلية لها».
وأضافت الوكالة: «السيدة التي تعيش الآن في إسرائيل، تدعي أن زوجها أعطى إسرائيل إنذارًا مسبقًا عن حرب يوم كيبور (حرب أكتوبر) وقد خلقت قصتها جدلًا حول سبب عدم استعداد إسرائيل للهجمات المصرية والسورية المفاجئة في يوم كيبور 1973، وخسرت حينها إسرائيل 3000 بين قتيل وفقيد في شهر من القتال».
وأعربت انشراح مرسى أو انشراح شاهين، كما أطلقت عليها الوكالة، في بداية حديثها عن عدم ندمها للتجسس لصالح إسرائيل، فيما لفتت الوكالة إلى اعتناقها اليهودية وتغيير اسمها.لكن الندم لم يكن هو ما يشغل الجاسوسة السابقة، بل أحوالها المادية الصعبة، كما أوضحت للصحفيين
وتحدثت المصرية الهاربة عن نشاطها التجسسي قائلة: «قمت بتصوير كل المطارات، وكل قاعدة عسكرية وكل كوبري في القاهرة، وخبأنا الأفلام في ألعاب أطفال وأرسلناها إلى إسرائيل، كل ستة أشهر كنا نرسل أكثر من 40 فيلم».
وأوضحت انشراح مرسى أنها وزوجها كانا يتجسسان من أجل المال، وأنهما كانا يحصلان على 1750 دولارا لكل منهما شهريًا، وبعد الرحيل إلى إسرائيل، أعطت الحكومة لكل من أولادها 25 ألف دولار، لكنها لم تحصل على شيء.
وقالت «إنشراح» إنها تعمل طباخة مقابل 500 دولار شهريًا، وكذلك يعمل أحد أبنائها، أما ثاني أبنائها فيعمل نادلا، والثالث طالب جامعي.
وتحدث ابنها عادل أو رافي بن ديفيد، حسب اسمه الجديد، قائلًا: «لقد عشنا هنا لعدة سنوات ولا يعرف أحد من نحن أو كيف ساهمنا في دولة إسرائيل، والدي دفع حياته والآن من أجله أريد الدولة كلها أن تعرف من هو إبراهيم شاهين».
أما الجهات الأمنية الإسرائيلية فيبدو أنها لم تبد أهمية لهما، ونقلت الوكالة عن مصدر أمني أنهما تم تجنيدهما لجمع معلومات عامة، وأنهما «لم يرسلا أبدًا أي تحذير واضح عن حرب 1973».

و قبل عده أعوام أجرى” رافي” حوارا مع أحدى الصحف روى فيها تفاصيل تعامل والديه مع إسرائيل أثناء وبعد نكسة 1967.
وكشف رافيل بن دافيد أو عادل شاهين ابن انشراح مرسى أنه تم تغيير أسماء أشقائه للعبرية بعد خروجهم من مصر والتوجه للإقامة في دولة إسرائيل، واعتناقهم اليهودية، حيث تم تغيير اسم والده إبراهيم شاهين إلى بن ديفيد، وكان اسمه داخل الموساد موسى، واختارت والدته انشراح موسى بعد دخولها إسرائيل اسم دينا بن ديفيد وأصبح اسم شقيقه نبيل يوسي، وتغير اسم شقيقه الثالث محمد إلى حاييم.
وحول رحلة التجسس وتجنيد العائلة من قبل الموساد الإسرائيلي، قال رفائيل بن دافيد ابن انشراح موسى: “كان أسفل منزلنا في العريش كبينة عسكرية فأبلغ والدي ضابط الموساد الإسرائيلي أبو نعيم بجميع التفاصيل الخاصة بها”.
وأضاف “لم نكن أنا وأشقائي نعرف أي شيء عن أمي وأبي لمدة عام ونصف العام، وطوال تلك الفترة كنا نعيش في القاهرة، وتم تجنيد والدي من قبل الموساد الإسرائيلي، وعاد إلى مصر عن طريق الصليب الأحمر من الأردن، لجمع المعلومات الخاصة بأسعار السلع الأساسية والخضروات، حتى يعلم حسن نواياهما”.
وكشف عادل ابن الجاسوسة انشراح مرسى أو رفائيل بن دافيد تفاصيل تجنيد والدته في الموساد حيث قال: “سافرت والدتي إلى بئر سبع بصحبة والدي والتقيا ضابط الموساد أبو نعيم حتى يتم تجنيدهما، وتطوير أدائهما، بعدما تيقن أنهما تحت سيطرته تماما، ويريدان التجسس لصالح الموساد الإسرائيلي”.
وقال رفائيل بن دافيد: “بدأت معرفتي بقصة التجسس في المرحلة الإعدادية وكان عمري وقتها 11 عاما، ونسكن في حي الأميرية وهي منطقة فقيرة في وقتها، وكان أبي يمتلك سيارة فيات موديل 1100 قام بشرائها من مدينة روما بإيطاليا في إحدى الزيارات، وفي أحد الأيام وتحديدا في مطار قويسنا بطريق مصر الإسكندرية الصحراوي، سمعت أبي يقول لأمي وهو يقود السيارة “يلا يا حبيبتي يا شوشو طلعي الكاميرا وصوري المطار الحربي”، وطالبها بتصوير جميع المناطق العسكرية بالإسكندرية بطول الطريق، وقاما والداي بتصوير كل أنحاء مصر من أجل الحصول على أموال من إسرائيل، وعندما رأيتهما يصوران تلك المواقع المهمة خافا أن ينكشف أمرهما فطلبت أمي من أبي أن يكشف لنا عما يفعلانه حتى لا يفضح أمرهما بين أصدقائنا داخل المدرسة بطريقة غير مقصودة، وذلك في عام 1967 وتحديدا بعد النكسة مباشرة حيث تم تجنيدهما”.
وقال عادل إن والديهما أكدا أنهما يعملان مع أصدقاء لهما في إسرائيل، من أجل المساعدة على المعيشة بعد تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد بعد الحرب، فأبي كان دائما يقول لنا إن إسرائيل تجلب لنا العيش وكل ما نحتاجه.
وكشف رفائيل بن دافيد صدمته، عندما علم أن والده يعمل جاسوسا، لكن شقيقيه محمد ونبيل كانا سعيدين جدا، مؤكدا أنه عاشق لمصر، ولا يصح أن يخون أهله وناسه، وما حدث من أبيه وأمه إجرام، وقال لوالده في ذلك الوقت: “إذا استمررت في العمل مع إسرائيل سأبلغ الجهات المصرية بذلك”.

وقال بن دافيد أنه يحلم بالعودة إلى مصر من جديد، إلا أن الأمن يمنعه من هذا الأمر تماما.

ويزعم بن دافيد أنه حاول بالفعل الدخول إلى مصر منذ ما يقرب من عقد، وسافر بالأتوبيس إلى سيناء، وفي العريش تم اكتشاف أمره وإلقاء القض عليه وترحيله إلى مقر المخابرات، وهناك زعم بأن أحد كاتبي روايات المخابرات المشهورين تولى التحقيق معه، ثم تم توصيله بعد ذلك إلى مطار القاهرة، ونصحه رجال المخابرات بعدم العودة إلى مصر من جديد، وسافر إلى إسرائيل.

وحرص كبار المسئولين الإسرائيليين على الاجتماع مع بن دافيد بصورة دورية، مقدرين الخدمات التي قدمها والده إلى تل أبيب، حتى أن الرئيس المسجون موشيه كتساف هو من قام بختان نجله الطفل في حفل تهويده، وهو شرف كبير لا يمنحه القادة الإسرائيليون لأي فرد إلا أن كان عميلا بمعنى الكلمة.

و منذ سنوات قليلة، ظهر عادل ابن الجاسوسة “انشراح” عبر موقع الفيديوهات “يوتيوب”، وطرح فيديوهات تتحدث عن السياسة في المنطقة العربية، وتشكيكه في حرب أكتوبر، واعتراضه على إعدام والده والاعتزاز بفعلتهم النكراء، تحت عنوان “ابن جاسوس مصري”.

وتوفي رافيل بن ديفيد في الساعات الأولى من صباح يوم السبت 22 مايو 2021 في لندن وذلك بعد صراع مع مرض السرطان.

اعتنق حفيد إنشراح مرسى الإسلام لكي يتزوج من فتاة مصرية صومالية، منذ أشهر قليلة.
وكشفت “أماندا” زوجة عادل شاهين (رافيل بن ديفيد) أن ابنها الأصغر “يوفال” الذي يبلغ من العمر 23 عامًا اعتنق الدين الإسلامي منذ أشهر قليلة.وأضافت في تصريحات صحفية: “ابني يتبع الآن الدين الإسلامي، وأقدم على الزواج من فتاة من أصل مصري وصومالي، حيث تزوج منها قبل وفاة رافيل بأسابيع قليلة وتسكن معهم في منزلهم في بريطانيا”.

قد يعجبك ايضا
تعليقات