بقلم/ مودّة ناصر
عزيزي أهلاً،..
مع نجمةٍ صغيرةٍ بعثتُ إليك سلامي، ورسمتُ صورة وجهك على سماء الليل لتبزغ لي قمرًا أحدّثه بنجوى الفؤاد، عزيزي البعيدُ والقريبُ، كيف حالك والفؤاد؟
لعلك بخيرٍ والأيام وديعة، ونفسك ناجيةٌ من دنيا رتيبة، والأرض تُطيّب خُطاك، والابتسامةُ تُزين محياك.
عزيزي،
وددتُ لو أنَّ سمرًا بيننا دائمًا أبدًا،
وأنك هنا، رفيقي ومؤنسي.
يقولُ فاروق جويدة:
“وغدًا تسافر
والأماني حولنا حيرى تذوبْ
والشوق في أعماقنا يدمي جوانحنا
ويعصف بالقلوبْ
لم يبق شيء من ظلالك غير أطياف ابتسامة
ظلّت على وجهي تواسيه
وتدعو بالسلامة
وغدًا سمنضي فوق أمواج الحياة
لا نعرف المرسى وتاهت كل أطواق النجاة
لِمَ لَمْ تُعلّمني السباحة في البحار؟
لِمَ لَمْ تعلّمني الحياة بغير شمس أو نهار؟
والصبر يا للصبر حلم زائف
وهم يعذبنا ومأوى كالدمار
وغدًا تسافر”
يا عزيزي يُحكى أنَّ؛
الغَد الذي استبعدناه يومًا صار فجأةً أمسَ، الوعدُ الذي قطعناهُ سُخريةً بفكرةِ البُعد أصبح همسَة، والوقتُ الذي قضيناه سويًا غدا اليوم أُمنيةً بجلسةٍ خِلسة.
عزيزي المُسافر،
الراحلُ بقلوب المُحبين، التاركُ خلفه بسمةً حائرةً بالجبين، مُعلمنًا كيف يثور قلبٌ شعبه الحنين، وببعده تنقسمُ البلادُ فتصيرُ كما الزنازين.
كيف صرنا لهذا الحدّ؟؛ تسربتِ الأشواقُ بدونك إلى كلِّ غد، وزرفتْ الأماني نفسها حيرةً في البُعد. وغنّى الأملُ انتظارًا أغنية الودّ.
هل كان السفرُ يومًا تكفيرًا للذنوب؟، أوليس كل مُسافرٍ يومًا يأوب؟، أفي السفرِ تتبدلُ القلوب؟، فيذوب الحبُّ كما الجليد على الثقوب؟.
عزيزي،
لم يخبرنا المسافرون كيف نقضي أيامنا دونهم، وكيف نُطمئِن الخوف العابث بقلوبنا وقلوبهم، وبين كل بعيديْن أسئلةٌ عديدة، لا يبوح أحدٌ للآخر منها شيء؛ يتلاشى صوت الوعود الهامسة في فضاءِ القلق، وفي البُعد يصيرُ القريبون غرباء بعض الشيء، وكأن المسافة عنيدةٌ لا تبرحُ حتى تُحدِث أثرها. وفي المسافات نتسكبُ الكثير من الأشياء، المشاعر، والآمال، فتشربها الأرضُ عنوةً وتجبرًا ولا يراها أصحابها في الطرقات. والبعدُ يلتهمُ الشجاعة، تلك الشجاعة التي بها يمضي المحبوب مُتيقنًا موضعَه في قلبِ مُحبِّه. تتبدلُ لغة الحبِّ؛ فتتحولُ الجمل الصريحةُ إلى أخرى ترتدي رداء الكناياتِ والمجازاتِ؛ لتُرَقِع ثغرات اليقين المفقود، وهذا فقدٌ مؤلمٌ وعزيز.
عزيزي،
ليتنا نملك شجاعة الإفصاح فتذهب الكلمات إلى أصحابها،
ليتنا نملك يقينًا نكتبُ به قصائد عتابٍ طويلة؛ فنبكي بين البيت والبيت، حتى نسكنَ بآخر بيت، ونسرد أحلامنا جميلة،
لكنَّ المسافة عنيدةٌ، وتنسكبُ الأشياء حتى تتلاشى..
عزيزي،
وددتُ لو أن سمرًا بيننا دائمًا أبدًا،
كن بخيرٍ دائمًا ولا يغرنّك السفر،
رافق قلب حبيبك حيثما كانت وجهتك،
واكتب لي.