القاهرية
العالم بين يديك

الصرخة

126

بقلم /حسن محمد

في ليلة شتاء باردة ترامى صوت صراخ على مسمع الجيران. فما لبثت الأدلاف أن فُتحت على مصراعيها؛ حتى خرجت الجيران مُشرئبةً رءوسهم -بعضهم عبر النوافذ وأخرون من الشرفة- يتطلع كلُّ منهم بعينين تجولان يمنةً ويسرةً تبحثان عن مصدر هذا الصوت. لكن -على عكس المتوقع- كان الشارع يغمره السكون..

لم يكن الأمر جديرًا بالدهشة لديهم، فقد اعتادوا على هذه الأصوات الصارخة. بيد أنهم يمسون يوميًا منتظرين لمشاجرة جديدة؛ التي إما أن تحدث بين اثنين يتبادلان السِباب، في مِزاح سخيف، إثر جلسة كانا يدخنان بها الحشيش. أو نساء يطلقن الشتائم، حيث كل منهن تستعرض مهارتها بفن إخراج السبَّة؛ وعليه تتصارع امرأتان بضَّتان سمينتان. فتمسك إحداهما شعر الثانية؛ فتولول وتصرخ مطلقة رشَّاشات من الكلمات البذيئة الخليعة الفاحشة تصمّ الآذان.

لكن الصوت كان مختلفا هذه المرة مِمّا أثار فضولهم المخلوط بالتأفُّف والملل -لما اعتادوا عليه من مشاجرات لا تتغير- إلى شيء جديد مختلف. فتعالى الصوت مرة أخرى؛ كان صوت يئنّ.. يصرخ.. يناجي أحدا. صوت آتٍ من نافذة ما.. نعم، من شقة يسكنها شاب أعزب وحيد. يعرف بالهدوء دائما.

لم يفكر أحد في محاولة إنقاذه خوفا -وهذا بالطبع لأن المتعدّي سيكون مُسلحًا- إن كان سارقًا؛ فشرعوا طالبين الشرطة لكي تنقذ ما يمكن إنقاذه، لكنها حيلة سخيفة كما نعرف، فبرغم أن الشرطة كانت تبعد عنهم أمتارا قليلة، فقد وصلت بعدما زاد الطين بلّةً.. بعدما هرب القاتل وقد قضي الصارخ نحبه.

لم يكن القاتل شخصًا، بل كانت الوحدةُ قاتلًا يغرز نصل سكين الحنين في قلبه بتلذّذ وسادية..

قد يعجبك ايضا
تعليقات