القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الوعي العقلي وقضية تجديد الخطاب الديني

119

بقلم د. محمد أشرف

إن الفكر الإنساني علي مدار الأزمان ليس علي وتيرة واحدة ،أحيانا تعلوه القيم ، وأحيانا أخري تسيطر عليه الخرافات والأساطير ،فمنذ نشأة الكون والإنسان يسير في إتجاهين متوازيين ، الإتجاه الأول ،هو إتجاه إشباع الغريزة الإنسانية الخاصة بإقامة حياته من مأكل ومشرب وملبس ، والإتجاه الثاني يسير نحو التفسير الواقعي للكون سواء كان ذلك عن طريق تفسير أصل الكون من خلال الهواء أو الماءأوالتراب كما فعل اليونان في القديم ،أو تفسير الكون ونشأته من خلال الرسل والأنبياء والشرائع المختلفة ، ومن ثم كان للعقل دور هام في معرفة الكون ،وتمثل هذا الدور في وجود إله صانع ومدبر ، وهكذا فإن العقل له دور حاضر في كل قضية تطرح منذ قدم الفكر البشري من خلال التحليل والدراسة والفحص ، ومن هنا كان لابد للعقل أن يتدخل في قضية تطرح بقوة في السجال العام الآن ، ألا وهي قضية تجديد الخطاب الديني ،وقبل أن نشرح هذا الدور ينبغي أن نحرر المصطلحات حتي نفهم القضية ببساطة متأنية دون أي تعقيد ،أولا مامعني التجديد ,إن التجديد يسير في إتجاهين: الإتجاه الأول أن يكون هناك شئ قديم ثم أريد تجديده ليحل مكانه شئ جديد ، وبهذا المعني يكون التجديد هدم البناء القديم وإحلال بدلا منه بناء جديد ، والإتجاه الثاني هو أن يكون هناك بناء قديم لكنني أريد أن أبقيه بأعمدته الأساسية مع تحديثه حتي يبقي في صورةحسنة ،وهذا الإتجاه الذي نود السير عليه تحديثا لأعمدة ثابتة ، فالتجديد الذي نحتاجه تجديد الفهم الديني في روعة نظمه وحسن عرضه ،ومواكبته للمستجدات التي سبقت تخيل الإنسان العبقري في أي مجال من مجالات العلوم الإنسانية والطبيعية والعقلية ،فالزمن التكنولوجي لاينتظر أحد ، ولا يرفق بأحد ،وإن الشخص الذي له نظرة ثاقبة في أحوال المجتمعات المتقدمة يجد أن الدين لابد أن يعود دوره العام لينتشل الإنسان من العالم الآ لي الذي جعل الإنسان آداة خاضعة للتجريب بلا احترام لقيمته البشرية ،فالأداتية صنعت الأسلحة المتطورة التي حصدت الكثير من الأرواح البشرية ،والأدخنة المتصاعدة من عوادم المصانع كان لها أكبر الأثر علي تهديد صحة الإنسان ، وقضية الاستنساخ التي ربما تحدث خللا في الإتزان الكوني ، فربما الخلية المستنسخة تنتج خلايا بشرية مشوهة تعيش في صورة بشرية حياة ميتة ،لذلك فالدين له دور هام في عصرنا الراهن ايذاء مواجهة هذه التقنيات الهائلة علي صعيد كافة المستويات العلمية ، ومن ناحية أخري فالإنسان الذي يفتقد البعد الروحي في حياته يصل إلي عدم الإتزان النفسي ، ليس عنده قيمة عليا يسعي للوصول إليها ، يعيش بلا غاية ولاهدف ،عنده خواء نفسي ومعرفي ناقص ، ومن ثم كان لزاما علينا أن نخوض غمار التجديد من أجل الإنسان المعاصر الذي أتعبته الحداثة فاستغني عنها إلي مابعدها ، الذي يحسن بنا أن نصف الإنسان بأنه الإنسان المعذب جراء تنام التيارات والأفكار المنحرفة ، ومن ثم فحضور الدين جراء كل هذا التخبط يحتاج إلي عقل وإلي روية ، ليس إنغلاقا لدرجة الأفول المعرفي والتقني ،وليس إنفتاحا بهدم الثوابت المتفق عليها ،بل بوسطية الفهم في إدراك البعد الروحي المقدس علي حقيقته ، ومواكبة سير التقدم الحضاري بلا هدم لأصل الرحمة لدي الإنسان ،وهي أن يرحم الإنسان أخيه الإنسان ، لذلك كان تجديد الخطاب الديني ضرورة العصر من خلال عدة نقاط هامة :
أولا.الوعي العام بقضية التجديد ، فالخطابات المنفرة التي تبعد الدين عن جوهره ينبغي أن يرد عليها بخطابات قوية ذو صبغة تأثيرية تستوعب التراث استيعابا لمقصد الشرع وأن الأديان جاءت لسعادة الإنسان .
ثانيا :ينبغي علي الدعاة أن يفهموا أولا أن الله سبحانه لم يقصد تعذيب بني البشر وإرهاربهم بل كانت الحكمة والموعظة الحسنة وسيلة الأنبياء بلاتكفيرولا ترويع .
ثالثا.استنفار الطاقات في مواكبة التطورات العلمية من خلال معرفتها ودراستها دراسة متفحصة حتي لايكون الدين بمنأي عن التقدم الحضاري .
رابعا. بذل الجهود العلمية في مناقشة الأفكار المنحرفة سواء كانت من جماعات متشددة مثلا ،أو من تيارات غربية تورث العدواة بين أتباع الأديان .
هذه نقاط مختصرة تحتاج إلي استيعابها من خلال الأفراد المعنيين بالدعوة إلي الله بحكمة وموعظة حسنة ،والحقيقة أن كل نقطة من هذه النقاط تحتاج إلي أبحاث علمية موسعة، ترعاها المؤسسة الدينية الوسطية ،وهي مؤسسة الأزهرالشريف التي تتسم بالأصالة والمعاصرة ، والعلم الواعي بلاتكفير أو تحريف ،لأن واجب العصر التجديد علي المستوي العلمي والفكري وصولا لعرض واع ،مظهرين أن الدين جاء لسعادة البشرية .

قد يعجبك ايضا
تعليقات