محمدفوزي الغزالي
اعتبر الباحثون والخبراء، أن التخلّف المجتمعى مرض يصيب بلادًا دون غيرها، بالرغم من الأفكار الخاطئة المتعارف عليها قديمًا، والتى كانت تعتبر أن الإنسان المتخلّف يولد كذلك؛ شخصًا كسولًا فاشلًا بفعل الجينات والوراثة وخلق الخالق، لا لأى أسباب أخرى، كما كان يعتقد الناس قديمًا أن العبيد يمتلكون فى عقولهم أجزاءً يولدون بها تجعلهم قابلين للاستعباد دون أدنى شعور بالانتقاص من كرامتهم، كما تعرّف مجتمعاتنا اليوم أن المرأة مخلوق ناقص بفعل الخلق، وعقلها لا يرقى لعقل الرجل.
إلّا أن كل تلك الادعاءات ليست حقيقية؛ لأن التخلّف مرض يمكن علاجه إذا تمكن المتخلّف من فهم أسباب تخلّفه، والتى ترجع إلى سبب أساسى لظهور هذا المرض وهو «القهر». فكما أن العبيد السود أصبحوا رؤساء أعظم دول العالم عندما تخلّصوا من الشعور بالقهر، وكذلك المرأة عندما تحررت الشعوب من الاستبداد، يمكن لأى متخلّف أن يُعالج من مرضه ويثبت أنه لم يخلق بهذه الصفات ولهذا الهوان بين البشرية!
الشخصية المقهورة -بعيدًا عن القارئين- من أهم صفاتها:
يحاول الدفاع عن نفسه من القهر الذى يمارس عليه بالهروب إلى ذاته؛ كالأغانى الشعبية التى تنتشر بسرعة لعاملين أساسيين، وهما: الصخب والحزن فى الوقت نفسه، كحياته تمامًا.
يهرب إلى الماضي، فيجد حقبة تاريخية أو شخص فى التاريخ ليفتخر به وينتمي إليه، ويعرّف نفسه على هذا النمط. يتمنى أن يعود به الزمن لهذا الوقت وكأنه ولد فى غير أوانه، أو حتّى يحاول تغيير واقعه ليصبح شبيهًا بالماضى الذى يطمح إليه. فى تلك الحالة تصبح أى محاولة لهز صورة تلك الفترة أو هذا الشخص، هى قلب لكيانه ووجوده وبالتالى تقابل بعنف شديد.
الهروب إلى الجماعة، فكلما كان الإنسان مقهورًا كلما زاد ارتباطه بجماعته والتصاقه بهم طلبًا للحماية، من يشبهونى هم الأفضل والأكثر خيًرا، أما هؤلاء الذين يختلفون عنّى فهم الشياطين. يتحول المجتمع مع الوقت إلى تكتّلات من البشر، كل كتلة تحتمى بنفسها وترى الآخر شيئاً غريباً وعدواً، حتّى بين الوظائف المختلفة أو الطبقات الاجتماعية أو الاعتقادات الشخصية. من هنا تنشأ الطائفية.
الهروب بالاستعراض، هو أن يتسابق الناس فيما بينهم على المظاهر، فمهما كان المتخلّف فقيرًا؛ فإنه يحب التباهى بين الفقراء أمثاله بالملبس والمأكل، وكلما ارتفعت فى المكانة وتمكنت من إبهار الطبقات الأعلى كلما رفع ذلك من مكانتك. يتضمن ذلك كثرة الاستهلاك وإهدار الطعام بشكل مبالغ فيه حتى بين الفقراء.
التهرّب من المسئولية، أي شيء سيء يحدث له يلصقه بإرادة القدر ويقول هذا هو نصيبى ماذا أفعل، بدلًا من المقاومة، إذا أخطأ لا يتحمل نتائج أفعاله ويحاول إلصاقها بأى شخص أو شىء آخر، فهذا الشخص يرى دائمًا أنّه محسود أو حتى أن العالم كلّه يتآمر عليه لتدميره، أمّا هو نفسه فليس مسئولا عن أى شىء ولا شىء بيده.
يتشبه بالمتسلط الذى كان سببًا فى قهره من البداية، ويراه كائنا خارقا ويطمح لأن يكون مثله، فيحقّر من وسطه. يصبح المتخلّف المقهور متسلطًا على أى شخص أضعف منه، كالمدير مع موظفيه والزوج مع زوجته والأم مع أبنائها والمدرّس مع تلاميذه والرجل مع المرأة، حتى يتحول المجتمع المتخلّف كلّه إلى متسلطين ومقهورين فى آنٍ واحد.
الهروب للعنف، على شكل عدوانية أو كسل، المقهور لا يتقن عمله ولا يبرع فيه لأنه يعرف أن نتاج تعبه لن يعود عليه، فتبدأ دوامة الرشوة ويصبح كل شخص بالنسبة للآخر مجرد فرصة للتربح، فيكذب الجميع على بعضهم البعض، ويغش الجميع الجميع، حتى يصل الغش إلى العلاقات الاجتماعية التى يصبح أغلبها مزيفا. تصبح العدوانية أسلوبًا للتنفيس عن نفسه، فيخرّب ممتلكات الدولة فى الشوارع لشعوره أن ما من شيء ملكه هو ويلقى القاذورات فى أى مكان ويؤذي أقرب الناس إليه.
المرأة، هى ضحية التخلّف الأولى، وكبش الفداء الذى يحاول المقهور أن يتوازن على حسابه، فتتحول من مجرد إنسان، إلى كل أسباب الفشل التي يقع فيها، إذا لم يكن مؤهلًا كفاية ليجد عملًا يقول إن عمل المرأة هو السبب لأنه أخذ مكانًا كان سيعمل فيه، إذا فشل فى أن يحصل على حبيبة أو زوجة؛ فذلك لأن كل النساء شياطين وهم السبب فى كل بلايا العالم وهكذافان المرأة التي تعيش في مجتمع متخلف تحاول دائما انقاذ شخصيتها فتهاجم بعدم التوازن وتعيش بوجهين لتحاول الهروب.