القاهرية
العالم بين يديك

جميل وبثينة

159

بقلم/حمادة توفيق
(الأخيرة)
ومات جميل ..
رُويَ عن رجلٍ كان شاهدَ جميلاً لما حضرته الوفاةُ بمصر، أنه قال : أنه دعاه فقال : هل لك في أن أعطيكَ كلَّ ما أخلفه على أن تفعلَ شيئا أعهده إليك ؟ قال : فقلت : اللهم نعم.
قال : إذا أنا مِتُّ فخذْ حُلَّتي هذه التي في عيبتي فاعزلها جانباً، ثم كلَّ شيءٍ سواها لك، وارحل على رهطِ بني الأحبِّ من عُذرةَ – وهم رهطُ بُثينةَ – فإذا صرتَ إليهم فارتحلْ ناقتي هذه واركبها، ثم البسْ حُلَّتي هذه واشققها، ثمّ اعلُ على شرفٍ وصح بهذه الأبياتِ وخلاكَ ذَمٌّ، ثم أنشدني هذه الأبيات :
صدعَ النعيُ وما كنى بجمـيلِ ..
وثوى بمصرَ ثواءٌ غيرُ قفولِ !
ولقد أجرَّ الذيلَ في وادي القرى ..
نشوانَ بين مزارعٍ ونـخـيلِ !
قومي بُثينةَ فاندبـي بـعـويلٍ ..
وابكي خليلكِ دون كلِّ خلـيلِ !
قال : فلما قضى وواريته، أتيتُ رهطَ بُثينةَ ففعلتُ ما أمرني به جميلُ، فما استتمتْ الأبياتُ حتى برزت إليَّ امرأةٌ يتبعها نسوةٌ قد فرعتهن طولاً، وبرزتْ أمامهنَّ كأنها بدرٌ قد برزَ في دُجنةٍ وهي تتعثرُ في مرطها حتى أتتني، فقالت : يا هذا واللهِ لئن كنت صادقاً لقد قتلتني، ولئن كنتَ كاذباً لقد فضحتني.
قلت : واللهِ ما أنا إلا صادقٌ، وأخرجتْ حُلَّتهُ فلما رأتها صاحتْ بأعلى صوتها وصَكّتْ وجهها.
واجتمعَ نساءُ الحيِّ يبكين معها ويندبنه حتى صعقتْ فمكثتْ مغشيا عليها ساعةً، ثم قامتْ وهي تقول :
وإن سلوي عن جـمـيلٍ لـسـاعةٌ ..
من الدهرِ ما حانتْ ولا حانَ حينها !
سواءٌ علينا يا جميلُ بنُ مـِعـمـرٍ ..
إذا مِتَّ بأساءُ الحـياةِ ولـينـهـا !
وقيل : إنها كررتْ هذين البيتينِ حتى ماتتْ بعد ثلاثةِ أيامٍ من سماعها بموتِ جميل.
وكان لجميلٍ فيها أشعارٌ كثيرةٌ ولو أنه لم يقل فيها سوى البيتين لكفاها شهرةً وفخراً، وهما قوله من قصيدةٍ طويلةٍ هي من ضمنِ أشعاره :
هي البدرُ حسناً والنساءُ كـواكـبُ ..
وشتانَ ما بين الكواكبِ والبـدرِ !
لقد فضلتْ بُثنُ على الناسِ مثل ما ..
على ألفِ شهرٍ فضلتْ ليلةُ القدرِ !
رحمَ اللهُ جميلاً وتجاوز عنه، آمين ..
#مصادر
الشعرُ والشعراءُ (طبقات الشعراء).
ديوانُ (جميل بُثينة).
#حمادة

قد يعجبك ايضا
تعليقات