القاهرية
العالم بين يديك

قصة (الضحية 1024)

356

بقلم: شروق صالح

أقف في الشارع أول النهار والملل يعتريني، لا أدري كم نحن حمقى! لنغادر أسْرَّتنا الدافئة الناعمة وغرفنا الرائعة للذهاب إلى الجحيم (ذلك المكان الذي يتوجه إليه العديدين للعمل داخله)..
أنتظر الحافلة للركوب والتوجه إليه؛ لكي أقابل أناسًا تدفعني لفقد صوابي، فكل ما أتمناه أن يتركوني وشأني؛ لأعمل أعمالي دون تدخل منهم..
تمنيت للحظات أن يحدث أي شيء يمنعني من الذهاب.

صمتت تلك الفتاةُ المرتدية قميصٍ زهري، بنطالٍ قصير أزرق وحقيبة بيضاء لتطلق ضحكةً كالمجانين قائلة:
-لم أتوقع أن هذه الأمنية ستتحقق بكل هذه السرعة، مرت من أمامي شاحنة بيضاء كبيرة نزل منها رجلين مُلثمين..
لم يهتما أننا في أول النهار والناس تملأ الشارع والسيارات كذلك.
أحدهما رش على وجهي رذاذًا باردًا؛ جعلني أرى المكان يتأرجح أمامي وأصبح جسدي ثقيلًا، لا أقوى على حمله البته؛ حتى كدت أسقط أرضًا لكن حملني الرجل الأخر على كتفيه ثم أدخلني الشاحنة. عندها فقدت الوعي تمامًا ولم أدرِ ما الذي حدث بعد ذلك.

الرجل الأول: الضحية رقم (الأربع والعشرون بعد الألف)،قد تم إنقاذه بنجاح.

الرجل الثاني: يبدو أننا اِخترنا الضحية المطلوبة فهي لم تبدِ أية مقاومة واكتفت في بادئ الأمر بالضحك.

سارت الشاحنة في الطرقات مسافة ساعة تقريبًا إلى أن وصلت لمبنى مهجور -من الخارج- ذو نوافذ محطمة والأشجار تحيط به من كل مكان.

نزل الرجلان من الشاحنة وهما يجرّان الفتاة، ثم لحق بهما السائق قائلًا:
-سأتابع عملي لأجد الضحية التالية لننقذهم قبل فوات الأوان.

الرجل الأول:
حسنًا، حظًا موفقًا.

دخلا ليسيرا في رواق طويل ذو أعمدة كثيرة ليصلا إلى غرفة كتب عليها التحقيق ثم أدخلاها الغرفة.

الغرفة عبارة عن نافذة زجاجية تمنع رؤية ما تطل عليه، طاولة في المنتصف وكرسيين. وضعاها على الكرسي المقابل للنافذة وقيدانها وابتسما وهما يغادران.

قابلا رئيسهما وتبادلا معه أطراف الحديث ثم أمرهما بالمغادرة.

دخل الرئيس فظهرت عليه علامات الصدمة قائلاً:
-(شادو) التي يتحدثان عنها هي نفسها شادو صديقة الطفولة، كنت أبحث عنك منذ زمن وأخيرًا وجدتك.

بدأت بالإستفاقة على صوته لتنظر بعينين نصف مغلقتين؛ محاولة استيعاب ما حدث وهي تنظر في جميع الاتجاهات قائلة بصوت مرهق:
-أين أنا، لمَ أنا مقيدة هكذا؟!
-آه تذكرت، لقد تم اختطافي!
-هل أفرح لعدم ذهابي للجحيم، أم أحزن لتواجدي هنا؟!
ابتسم الرجل بخبث قائلًا:
-أنت من ستحددين إن كنت محظوظة أم لا.

عمَّ الصمت أرجاء المكان ونظرت بدهشة قائلة:
-أشعر بأنني أعرفك، لكن لا أتذكر أين تقابلنا.

بصوت مرتفع دعينا من هذا لقد سألت: أين أنت؟ ولما أنت هنا؟
قبل أن أجيبك عليك أولاً بإجابتي، هل أنت سعيدة في عملك؟
ابتسمت بسخرية:
-إن كنت سعيدة لن أطلق عليه جحيمًا، وليس هذا فحسب بل يوجد به كمية من العصافير تغرد وتؤذي غيرها بطريقة لن تتخيلها أنت.

بسعادة وهو يدور في الغرفة ويفتح يديه للسماء:
إذًا ما رأيك أن أهديك الحياة، حياة جديدة، رائعة، كل ما عليك هو العمل معي.

ضحكت ثم قالت:
آسفة، هل تركت الجحيم لآتى لمنتج المجانين، وأكملت ضحكاتها.

أثار ذلك غضبه وقبض على يديه وتذكر الحديث الذي دار أمام الباب قبل دخوله عندما سأل الرجلان قائلاً “من هي الضحية؟”

الرجل الثاني” الضحيه تدعى شادو، تعمل في إحدى الشركات، كانت تعتقد أن العمل سيجعلها تتسلى بدلاً من جلوسها في المنزل، عملت بعد تخرجها بشهرين، حيث أنها كانت تشعر بالملل من جلوسها بالمنزل، هذا هو عامها الثالث في العمل، حصلت على توقيع جيد من العمل وهو ارتفاع الضغط طوال اليوم والعصبية الزائدة والضغط باستمرار طوال الوقت مما جعلها شخصية تحتاج إلى الراحة بقية حياتها قبل أن نفقدها يا سيدي ”

ثم تنهد قائلاً داخله: “إن كانت ضحية عادية كنت سأتركها تذهب لجحيمها لكن شادو لا… يجب أن آخذها معي”

تحدث بصوت مرتفع “أنا هنا أقدم لك الراحة، العمل بطريقة أخرى، نعم من الممكن أن تطلقي عليه منتج المجانين لكن جنون حياة، فالجنون الحقيقي فيما تفعلينه أنت، ذهابك إلى مكان لا ترغبين به، و الضغط الذي تعرضين نفسك له.
هنا في منظمتي المنظمة الوحيدة المتخصصة في إنقاذ ضحايا العمل سوف أقدم لك عملاً وراحة”

ثم اقترب منها وسألها “كلمة واحدة من فمك وتتغير حياتك، هل توافقين على الانضمام لنا، أي ستختطفين أناس مثلك، سنغير حياتهم، أم أنك ستبقين في جحيمك؟”

نظرت إليه كمن يدور داخل عقلها حديث
وهي تحدث نفسها “شعرت أنني في حلم ولم أستيقظ بعد، لكن الحقيقة أن كلامه أعجبني لم أشعر أن خطفهم لي جريمة بل أعجبت بالمغامرة.”

وإذا بها تقول بصوت مرتفع “نعم أوافق”

بسعادة وهو يفك قيودها “يالا سعادتي أنا راكان صديقك يا شادو، نعم لم نتقابل منذ سنوات لكنك لم تتغيري البتة”
سحبها من يدها خارج الغرفة وأدخلها من باب يقع آخر الرواق لتجد داخله حمام سباحة وملاهي وألعاب رياضية وغيرها من أساليب الترفيه قائلاً “هذه هي الحياة التي أعنيها”

بادلته نظرات مندهشة، فأكمل “أعلم أنك في صدمة الآن لأننا لم نتقابل منذ زمن لكن…”

قاطعته قائلةً “هذا أنت حقا يا راكان، وهذا حلم طفولتنا، هل تتذكر عندما كنت في العاشرة وأخبرتك أنني حزينة لعودة أبي متأخراً مرهقاً من العمل وحينها عزمتَ أن تفتح عملاً عندما تكبر ويكون داخله كل وسائل الترفيه ليتمكن أبي وأباك من العمل فيه دون إرهاق ”

ابتسم بدفء والحزن ظاهراً في عينيه قائلاً ” نعم أتذكر جيداً لكن الاختلاف الآن أن والدي رحل قبل أن أتمكن من فعل هذا، في أحد الأيام عاد من عمله وهو في قمة غضبه لم أفهم ماذا حدث بالضبط ؟!
كنت وقتها في الخامسة عشر ورفض أبي أن يخبرني بشيء، لكني استرقت السمع وعلمت أنه بسبب العمل، في ليلتها استيقظت على صراخ أمي وهي تبكي وتتصل بالإسعاف، وأنا أراقبهم وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة منذ ذلك الحين وأنا عزمت على تنفيذ حلمي.
بعدما تخرجت بدأت بالتخطيط للأمر وها أنا حققت الحلم لإنقاذ أكبر عدد من الضحايا أعلم أنني في بداية الطريق لكن لن يهدأ لي بالاً حتى أجعل أصحاب الشركات يفلسون ويموتون بنفس الطريقة لكننى سأنقذ الباقين”

بابتسامة ” إذاً ما المطلوب مني؟ ”

بنظرات قوية “نحن هنا نبحث عن الضحايا فتقدمين تقريراً عنهم، ويوجد أشخاص يقومون بإحضارهم هنا، فإذا وافقوا على العمل سيتمتعون بهذا الجزء المخصص لهم، أي ستقدمين التقرير ثم تعالي إلى هنا للتمتع بالرفاهية، أما هؤلاء الحمقى الذين يفضلون العمل أقدم لهم ساعة يتمتعون بها في يوم الخطف قبل إعادتهم لمنازلهم، وأتمتع برؤيتهم وهم يتمنون أن يبقوا هنا، فأنا لا أضم الحمقى إلى هنا.
أتعلمين الغريب في الأمر أنه إلى اليوم لم يوافق على العمل هنا إلا عشرون ضحية فقط من أصل ألف وأربع وعشرين.”

ابتسمت قائلة “هيا لنمرح قليلا قبل العمل”

وركضت مكملة حديثها “اختر حياتك التي تريحك و لا تفكر بالمنطق أو آراء الناس فيك فأنت وحدك من تتحمل عناءك بمفردك.”

قد يعجبك ايضا
تعليقات