سهام سمير
الساعة تخطت الواحدة صباحًا، عبر النافذة تمر نسمة صيفية قبل أن يهاجمنا الحر بموجاته القاسية وتنساب عبر الفتحة التي تركتها ليدخل منها سرسوب الهواء، تنساب نغمات لا أتبين كلمات الغنوة لكني أشعر أنها تنتمي لفترة التسعينات.
تلك الفترة التي كانت تمتاز بتكرار الكوبليه أو الكلمة والمعنى.
كنا حينذاك غير متأكدين من شيء، كل ما يمر بنا يمر عبر فلتر الزمان والمكان وما يصح وما لا يصح، وكنا بحاجة لتكرار الكلمات والوعود.
بطل هذه الفترة البساطة والتصديق، صدقنا كل ما هو بعيد عن التصديق الآن.
أذكر أني عندما شاهدت فيلم تزوير في أوراق رسمية لأول مرة وتلته مرات عديدة ليس فقط لانجذابي لكن لأن الاختيارات كانت محدودة، صدقت كل الأحداث!
عُرض الفيلم اليوم، وتصادف أن شاهدته ابنتي معي، وكانت تمنع نفسها من الضحك وهى ترى بداهة الأحداث وسذاجة وعدم منطقية البطل فيما فعله، ونظرت لي لتؤكد إحساسها فوجدتني مازلت أصدق!
فسألتني ببساطة: “يعني مكانش فيه dna”؟ تعرف منه مين ابنها؟
أجبتُ بجملة قرأتها بالأمس على ظهر الميكروباص”المخرج عاوز كده”
أكملنا الفيلم حتى جاءت كلمة النهاية، وسؤال محمود عبدالعزيز الشهير:
“طول عمرك عاوزة تعرفي مين فيهم ابنك”؟
فتضع ميرڤت أمين يدها على فمه وتمنعه من نطق الاسم ونظل طيلة السنوات حائرين في حين أن ابنتي ترى أن ابنها هشام سليم للتشابه في الطباع والتصرفات بينه وبين أمه ولأن إيمان البحر درويش طيب وعاقل وهادي مثل أمه.
تصفعني أسئلة أولادي كل مرة بعد انتهاء العمل:
“انتوا كنتم بتصدقوا ازاي الحاجات دي”؟
بعيدا عن فرق الأجيال، وثورة التكنولوچيا والعالم الذي أصبح قرية صغيرة، أرى أن بيننا ما زال هناك من يصدق ببراءة ونقاء، من يفسر النوايا بحسنها، من يتلمس الطيبة في القول والفعل.
ومؤخرًا زدتُ قناعة بأن من يفعل ويصدق ويفسر ببساطة، يستمتع بتفاصيل الحياة ويبتعد بقدر ما يستطيع عن المنغصات وما لا يفيد.
أما عني فأنا مازلت أسيرة النسمة الصيفية والغنوة التسعينية والفيلم العربي القديم والتفسيرات البريئة.