هل يطبق القاضي العدل أم القانون ؟

بقلم / د. أسعد محمد الجوادى

في إحدى المجالس العرفية وعلى أذهان الناس طرحت سؤال هل القاضى يطبق العدل أم القانون لاتعجب من الردود حتى يراودنى التفكير والكتابة ويثور التساؤل حول هل القاضى يطبق العدل أم القانون .
أن القانون الذي يعني فيه معناه الحرفي أنه مجموعة قواعد من لوائح أو نصوص قانونية وضعتها السلطة المختصة، بهدف تنظيم حياة المواطنين واحتياجاتهم في التعامل، وكذلك تنظيم حدود السلطة أو الحكومة ومدى حدود علاقتها بالمواطنين، وهو بهذا المعنى يشكل بداية طريق العدل ولابد أن يكون هناك قانون ينظم الحياة ويحمي حقوق الأفراد ويكون مرجعاً يُستند إليه، إذ أنه يشكل الوسيلة اللازمة لتحقيق العدل، ويقتصر هدف القانون على تحقيق العدل وليس تحقيق العدالة، فالعدل والعدالة كلاهما يقوم على المساواة بين الناس، إلا أن المساواة التي تقوم عليها فكرة العدل هي مساواة مجردة تعتد بالوضع الغالب دون اكتراث بتفاوت الظروف الخاصة بالناس، أما العدالة (الإنصاف) فتقوم على مساواة واقعية على أساس التماثل في الأحكام المنصرفة للحالات المتماثلة شروطها أو الأشخاص المتشابهة ظروفهم مع مراعاة البواعث الخاصة وتفاصيل الظروف.
إن إقامة العدل وظيفة أساسية في دولة القانون، فالقضاة يتصرفون في حرية الأشخاص الذين يعيشون في أقاليم الجمهورية وشرفهم وأمنهم ومصالحهم المادية. ويفسر هذا الدور السامي المتطلبات التي قد يتوقعها أي شخص من القضاة ، كما يتطلب وضع الإمكانيات البشرية والمالية والمادية الملائمة ، فهل تسألت على أي أسس يحكم القاضي ، وهل القاضي محكوم بالقانون يتصرف طبقاً له .
يقول أحد الأساتذه الباحثين فى الخارج من المعلومات التى أبهرتنى فى دراستى بالخارج لنيل درجة الدكتوراه وكان على أن أختار مواد موازية لتخصصى «مقارنة الأديان» واخترت مادة القانون ، عندما سألت أحد الأساتذة المشهورين عن المقولة التى نرددها فى مصر بفخر أن عدالة القاضى تظهر وتتضح فى أنه لا يحكم بعاطفته ولا بمسموعاته ولا بخلفيته الدينية لكنه يحكم من خلال الأوراق التى أمامه ، وإذا بالأستاذ يرفع حاجبيه متعجبا ويبتسم ابتسامة ساخرة قائلا: «بالطبع يدرس القاضى الأوراق التى أمامه لكنه يحكم بضمير القاضي؛ فالقاضى إنسان وإذا حكم من خلال الأوراق فقط يفقد إنسانيته ويصبح آلة صماء، ثم أردف أننا لو قبضنا على شخص فى قضية قتل أو سرقة أو اغتصاب ووضعنا القوانين «Data» فى الكمبيوتر، ثم وضعنا كل ملابسات القضية والمذنب وكل ذلك فى برنامج مصمم خصيصا لهذا الأمر لتحليل كل دليل والأدلة على بعضها البعض؛ فإن هذا البرنامج سوف يحكم من خلال الأوراق أفضل كثيرا من أى قاضى وأسرع ، إن اعتمادنا الكامل هو على القاضى الإنسان. ثم ترك موضوع المحاضرة وبدأ يشرح فى أهمية أن تكون شخصية القاضى والمدعى والمحامى شخصيات ناضجة بمعنى أن يتمتعوا بثقافة عامة مرتفعة وبثقافة قانونية عميقة. وقال إن شخصية القاضى فى أمريكا توليها الدولة والمعاهد العلمية اهتماما خاصا جدا فى العناية بتكوينها بحيث لا تكون أحادية النظرة، أو متعصبة دينيا أو عرقيا أو جنسيا أو محتاجة ماديا أو معرضة فى طفولتها لعقد نفسية.
لا يمكن لصاحب أي ضمير حي أن ينسى ذلك الموقف بين (غاندي) وذلك القاضي الانجليزي , وقف (غاندي) في قفص الاتهام ليقول كلمة خلدها التاريخ أن أقف هنا لأتقبل ، اية عقوبة تفرضونها ، وإني لا أطلب الرحمة ، ولا تخفيف العقاب عني ، إنني هنا أرضى بذلك لأنه أسمى مايجب علي كمواطن ادائه .
كان (غاندي) محاميا ، يعرف الفرق بين (العدل والقانون) ، وجاء دور القاضي الانجليزي فنطق بالحكم عليه بعقوبة السجن . ثم وقف إحتراما لــ (غاندي) ، مبدياً اسفه لأنه أضطر للحكم بسجن رجل وطني وقائد عظيم لشعبه ، رجل قديس بمثُله وشرفه، فتوجه إلى (غاندي) قائلاً إغفر لي سيد غاندي ، أنا أحكم بالقانون ، وليس بالعدل وقد اضاف القاضي إذا هدأت الخواطر ، وقررت الحكومة تخفيض العقوبة عنك أو إلغاءها ، فلن يكون هناك من هو أسعد مني .
هذا الموقف يرسل إلينا رسالة واضحة المعالم من جهة ، ويجسد من جهة أخرى ، قضية إشكالية تشير إلى أن العدل فكرة مستقرة في عقل الإنسان وضميره . بينما القانون ما هو إلا نصوص ووقائع .
فالفرق بين العدل والقانون هو الفرق بين المثال والواقع
فالقاضي يحكم بموجب القانون، الذي قد لا يتطابق دائماً مع فكرة العدل، التي تتناقض مع القوة التي يملكها من بيدهم الأمر. والقانون معصوب العينين، لا يميز بين المصلحة والقوة.

هل /يطبق /القاضي /العدل/ أم /القانون ؟
Comments (0)
Add Comment