تتوالى السنون ويظل طوق الشوق كما هو، وها أنا بين يديكم أقص مارأيت في منامي، فلا أدري أهو منام ؟أم حديث شوق من نفسي لنفسي. رأيت أمي جالسة أمامي، وأبي على يميني، وعيناي تحتضن أمي… أراها تتحدث ولا أستطيع التفوه بكلمة واحدة، كل الذي أريده أن أحتضنها فأرى في نفسي حديثًا يقول أول غيابك عني وعلمي برحيلك خُيل إليّ أنها لحظات وستعودين مرة أخرى؛ فأنتظر طرقك على الباب، وعندما رأيتك أمامي خيل إلي أيضا أنك مازلت عالقةً في شرياني وأن الموت لم يستطع أخذك مني ولم أُحرم من دعواتك لأنها لا زالت باقية.
أماه أراك تتحدثين وشوقي يطرق قلبي طرقًا مبرحًا تخافين من لمسي ف المنام كي لا أرحل إلي عالمك، رأيتك كالقمر المنير، ووجهك مشرق بسام، عليكِ ثيابٌ بيض ناصعة قبس رآك فحياك وبالدمع رواكِ والدعاء ناداكِ رباه، أناجيك سرًا وجهرًا أوسع لها جناتك؛ فإنها كانت نقية الفطرة وتُسبِّح تحت سماك.
أماه أما علمتِ بحبي لكِ؟ فجئتِ تتبسمين وتنظرين لي نظرة المحب العطوف، ضحكتِ فكانت ضحكتك نور يضيء كوني، كنت صامتة فلعل شوقي إليكِ قد أحاطكِ، وأهداني رضاكِ… كوني بخير، فأنا أحتمي بحماك الفائض، فكلما غدا قلبي في صراعه المعتاد تذكرت كلماتك ففاضت عيناي حبًا ونثرت دموعه لؤلؤًا على وجناتي، وكلما أضعت الأمان من العالم ذهبت عند قبرك، ونمت على ذراعيكِ، فكأنكِ هنا معي، شعرت بنبضاتك تهز الشوق داخلي، تحميني، تبرر غيابك عني، أماه كوني بخير من أجلي.