الرسالة الثانية عشر إلى مجهول

بقلم سالي جابر

خبر الرحيل

تتعثر كل يوم الفكرة داخلي وأحاول أن أُيَسر لها الطريق، ربما لم تكن الطرقات خاوية بينما كان المطر شديدًا، تتزاحم القطرات وترتفع الأمواج وتزف إلى قلبي خبر الرحيل، ما يمكنني فعله هو أن أتقبل ذاك دون أن أتكلف مشقة الوداع، أو أستخف بعَبرات ظلت محبوسة، رهينة النزول على وجنتين مبللتين بالأسى، اليوم هو الذكرى التاسعة عشر للحظات الفراق لكنك لم ترحل، كنت فقد تُرهب قلبي، وتعد عتادك لتقتل روحي وتشق فيها كل الصعاب، السهام المنحدرة من أعالي الجبال تسقط تِباعًا على قلبٍ أيقظته شمس الحب يومًا وأحرقته سهامها، القلوب المضيئة عتمة الليل انصاعت إلى خفقاتها بلذة الألم المنشود من قذف الوعود في بئر التقلبات، أيقظتني اليوم دهشتي وألقت بي في بحر الصياح؛ الكل فيه يصرخ ويبكي، ينادي على حبيبه، يبكي أنين لوعة الفراق، ينادي خليله، يودع قلبه المشتاق، وتتبقى فقط عَبرات ألم وحسرة وأمطار غزيرة وخوف أيقظت القلوب وكونت تلك البحار.
عزيزي؛ ارحل كما شئت فإن الحب إن لم يجد موقده من الوله والغرام سيفقد اشتياق القلوب له، ويتلاشى رويدًا رويدًا، ارحل واترك القلوب تعزف على أوتارها في صمتٍ تام، أدركت معك معنى الصمت، والخيبات، فأنا دائمًا أتذكر ما قلته في رسائلك لي:” سأكتب إليك وأظل على عهدك، رغم أن الوعد فيه مشقة إلا أنني سأكتب إلى أن تجف الأقلام، وتتوقف القلوب عن البكاء، وتخرج عن صمتها، سأحبك في كل دقيقة ستين مرة، وفي كل ساعة ستين حياة، وأرسل رسائلي مع حمامتي البيضاء كي تحمل معها ورود قلبي، وأرسل مع أشعة الشمس قنينة عطري، كلما امتلأ الجو عطرًا زادت نبضات قلبي…”
جميلة هي كلماتك؛ تخرج من القلب، القلم يُسطر ما يحكيه القلب، وفؤادي يتألم حبًا ويتعطش لزخات أمطارك العذبة.
يا عزيزي؛ الجمال الذي يتخلل ذلك الكون هو طبيعة الباريء في خلقه، والجمال الذي تراه عيني هو ما أردت أنت رؤيته، والقلوب المتعطشة لكلمة طيبة هي جميلة في ذاتها إنما ينقصها كلمة، ربما تلك الكلمة لتكتمل حروفها بالجمال، أو إضاءات من وهج الاحترام لتزداد قوة، ربما تحتاج لمن يحتوي حروفها فتنعم بالدفء، وتستنشق رحيق زهور يانعة وأدها التخلي عن تلك الكلمة، فمال بال قلبك من كلمات أسمعها وتتخلل أذني، ويحكيها عقلي ولا يصدقها قلبي!
تلك كلماتك اختلف معناها في روحي اليوم عن الأمس؛ هي كما هي بينما أنا من اختلف، أنا من انتقى من بحر كلماتك الصماء ما يدفعه إلى الأمل بينما هي مجرد فكرة؛ الأمل صار داخلي فكرة وددت لو أنها طالت واستحكمت حروفها في فيضٍ من النعم، واسترسلت ببسمة ربيع، واكتملت بعبورها الخريف، ودارت في أفلاكٍ كما كل شيء طبيعي، كل طبيعة لها دائرة تدور فيها، كما تدور الأرض، وتتحرك الأفلاك، هل رأيت هذا؟ هل رأيت قلبي وهو يدور خلفك؟
ابتسم يا عزيزي كما دائمًا أشاهدك، فلا شيء يستحق أن تدور خارج أفلاكك، أما أنا فأسبح مع الشمس والقمر وأشم عطرك بعد أن أهشم تلك القنينة؛ لأرتوي من العطر ثم يختفي إلى الأبد.
سلامٌ عليك يا عزيزي من داءٍ بلا دواء، وبئر الظلمات الذي تلقي به نفسك…سلام

الرسالة/ الثانية/ عشر/ إلى /مجهول
Comments (0)
Add Comment