كيف النسيان ؟

بقلم رانيا ضيف

هل سُميَّ القلب قلبا لسرعة التقلب ؟!
سمعت ذلك السؤال من أحدهم في إحدى جلساتي العلاجية وهو شارد الذهن مستنكرًا، وكأنه يحدثني من عالم آخر، يتخبط فى أحداثه؛فتتساقط منه كلمات ثقيلة الوقع على قلبه ولسانه !
لم أُقاطعه، أردتُ أن يسكب ما فى جعبته
كي يستريح قليلا وتصفو سماء روحه ..
نظر لى بعينين باهتتين تقطران وجعا
قائلا :
أتعلمين ما الذى جعل الحزن يتملكني ؟!
أنها اقتلعتني من أرضي الخضراء، وزرعتني في أرض قاحلة؛ لا تروي عطشًا، ولا تجود بونسًا!
بدا على وجهه التأثر وكأن روحه تنوح
على سعادة كانت جلية فى الأفق كاد أن يلمسها، فنال منه الحزن والفراق !
استطرد قائلا :
ربما لن تصدقيني؛ أصبحت أستنشق دخانًا إثر احتراق روحي، ولهيب قلبي المشتعل !
تأثرت لحديثه ورأفت لحاله وظهر ذلك على وجهي ..
فقلت له :هون على نفسك، ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال .
رسم ابتسامة خفيفة موجعة على وجهه
ونظر لي قائلا :
تواسينني ! وأنت تعلمين جيدا أن لا أمل إلا بالنسيان، ولكن كيف النسيان ؟!
وهي تملأ روحي وقلبي وتسكن عقلي وذاكرتي !
أسأل نفسي أين السبيل وأين المفر ؟!
أعمل طوال الوقت كي لا أختلي بنفسي،
أقابل أصدقائي وأشتت انتباهي كلما مر طيفها
على خاطري ولكن آه من ساعات الوحدة، وقبل النوم وأحلامي !
كل ما فعلته جاهدا في يومي يذهب حسرات مع أول دقيقة في ليلي الصامت ..
أصبحت كالمجنون أُحدث نفسي كي لا أفكر،
ولا جدوى !
كيف الهروب ممن سكنت الروح، واحتلت القلب، وزُرعت في دمائي،
فسرت في سائر جسدي ؟!
أنا أقاوم روحي، وقلبي، وعقلي، وكلي!!
نظر لي آملًا في الحل .
قلت له بهدوء :إذن لا تقاوم !
دعها تعيش فى قلبك ما شاء الزمان،
حتى تتحرر منها تدريجيا مع الوقت
لا تقاتل من أجل النسيان !
دع النسيان يأتي طواعية ..
قال لي :
لم تفهمينني إذن !
قلت بل فهمتك أكثر مما تتصور ..
دع روحك تهواها بلا هدف، وبلا عتاب، وبلا ألم،
اتركها تمضي، واترك حبها فى قلبك يعيش وكأنها معك !
ودعني أسألك :
ما أقصى ما يتمناه المرء لحبيبه ؟
أن يراه سعيدا ناجحا، روحه تفيض سعادة
أليس كذلك ؟!
تصورها كذلك، واغفر لها غدرها ونقضها لعهد الحب .
واغفر لقلبك الذى أوردك حوض المهالك
فشربت منه حتى ثملت!
دع قلبك يحب من أجل الحب، لا تتعلق بوجودها أو تحزن لفقدها ..
فنظر لي نظرة آملا ولم يعقب.
فاستأذنته فى الانصراف،
وبمجرد أن التفتتُ، اغرورقت عيناي بالدموع لحاله ، وتحررت الدموع المحبوسة فى مقلتاي أخيرا بعدما أرهقني ثقلها طوال هذه الجلسة .

كيف /النسيان ؟
Comments (0)
Add Comment