نهال يونس
سيدنا عمر بن الخطاب { أبا حفص } بن نفيل بن عبد العزى بن رباح، من بني عدي بن كعب إحدى عشائر قريش . ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة.
كان طويل القامة، ضخم الجسم، كثير شعر البدن، وقد انحسر شعره عن جانبي رأسه أبيض البشرة، شديد الحمرة، يخضب شيبه بالحناء، له شارب كثيف
اتصف رضي الله عنه في الجاهلية برجاحة العقل، وصواب الرأي حتى أنّ قريشاً أوكلت له مهمة السفارة فيها، فكان إذا وقع بين قريش وبين قبيلة أخرى مشكلة بعثوه سفيراً لهم، وقد عمل الفاروق في الجاهلية برعي الغنم والإبل صغيراً، ثمَّ عندما شب عمل بالتجارة وكوَّن ثروة طائلة منها
كان قد بلغ الثلاثين من عمره وقت المبعث النبوي. فكان شديدًا على المسلمين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالهداية فأسلم سيدنا عمر في السنة السادسة من البعثة، ليشكل إسلامه نقطة تحول في تاريخ الدعوة الإسلامية حيث ازداد المسلمون قوة ومنعة
وبعد أن كان المسلمون يستخفون من قريش ولا يجرؤون على الصلاة عند الكعبة، إذا بهم يجهرون بالدعوة، ويصلون عند البيت فاعتز به الإسلام . وجهر بإسلامه فتعرض له المشركون وقاتلهم وقاتلوه .
قال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إنّ إسلام عمر كان فتحاً، وإنّ هجرته كانت نصراً، وإنّ إمارته كانت رحمة، ولقد كنّا ما نُصلّي عند الكعبة حتى أسلمَ عمر، فلما أسلم قاتل قريشاً حتى صلّى عند الكعبة وصلّينا معه .
لقّبه رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالفاروق؛ لأنّه فرق بين الكفر والإيمان
عرف في الجاهلية بالفصاحة والشجاعة، وعرف في الإسلام بالقوة والهيبة، والزهد والتقشف، والعدل والرحمة، والعلم والفقه وكان مسدد القول والفعل.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث وسبعة وثلاثين حديثًا. وقد وافقه القرآن في عدة آراء اقترحها على رسول الله صلى الله عليه وسلم منها اتخاذ مقام إبراهيم مصلى وحجاب أمهات المؤمنين، ونصحه لأمهات المؤمنين قبل نزول آية التخيير .
بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وبشره بالشهادة، وبما سيكون على يده من خير، ووصفه بالعبقري ” لم أر عبقريًا يفري فريه “
أي : لمْ أَرَ في النَّاسِ سَيِّدًا عَظيمًا ورجُلًا قَوِيًّا، وإنسانًا حاذِقًا يَعمَلُ عمَلَه ويَقطَعُ قَطْعَه مِثلَ عُمَرَ .
وبيَّن صلى الله عليه وسلم أنه إن كان في الأمة محدث – بمعنى ملهم – فهو عمر وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالاقتداء بسيدنا أبي بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما
كان مقربًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشيره في المهمات، شهد معه المشاهد كلها، وقد صاهره بالزواج من ابنته سيدتنا حفصة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها
وكان سيدنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه يستشيره كثيرًا، وهو الذي أشار عليه بجمع القرآن، وقد عهد إليه بالخلافة بعد مشاورة كبار الصحابة ورضاهم. ولقب بأمير المؤمنين.
أظهر في خلافته حسن السياسة، والحزم والتدبير، والتنظيم للإدارة والمالية، ورسم خطط الفتح وسياسة المناطق المفتوحة، والسهر على مصالح الرعية، وإقامة العدل في البلاد، والتوسع في الشورى، “وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولا كانوا أم شبانًا”، ومحاسبة الولاة وفق مبدأ ” من أين لك هذا “، ومنعهم من أذى الرعية.
فتح بابه أمام شكاوي الناس، وتدوين الدواوين، وتعيين العرفاء على العشائر والقبائل
وابتدأ التأريخ الهجري، وكان لا يستحل الأخذ من بيت مال المسلمين إلا حلة للشتاء وأخرى للصيف وناقة لركوبه وقوته كقوت رجل متوسط الحال من المهاجرين.
تدل خطبه ورسائله إلى الولاة والقادة على بلاغته العالية وبيانه الواضح مع الإيجاز المفيد والبعد عن الإطناب والإغراب والمبالغة، وتعبر بدقة عن شعوره العميق بالمسؤولية تجاه الدين والرعية، مع حسن التوكل على الله والثقة بالنفس
غلبت الدولة الإسلامية في عهده الفرس والروم وحررت الهلال الخصيب ومصر، ومصرت الكوفة والبصرة والفسطاط، ومازالت في صعود وامتداد، حتى اغتاله أبو لؤلؤة المجوسي وهو يؤم المسلمين في صلاة الفجر ليلة الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة 23 للهجرة ، وعندما عرفَ سيدنا عمرُ من طعنه، قال: الحمد لله إذ لم يقتُلْني رجلٌ سجدَ لله
ودُفن إلى جوار الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيدنا أبي بكر الصّديق رضي الله عنه
دامت خلافته رضي الله عنه عشر سنين وستة أشهر، وكان عمره ثلاثًا وستين سنة .
رضي الله تعالى عنه وأرضاه وأسكنه في مستقرّ رحمته ونعيم جناته..
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية