بنزين بروح الزعفران… ومواطن بيحلم يركب عجلة!”

بنزين بروح الزعفران… ومواطن بيحلم يركب عجلة!”

تحقيق د _ عيد علي
في الوقت الذي تُعلن فيه الدول خفض أسعار الوقود تباعًا حرصًا على راحة المواطن وتخفيف العبء عنه يستيقظ المواطن المصري على وقع نبأ لا يقل عن زلزال اقتصادي: “زيادة جديدة في أسعار البنزين!” وكأن الفطار في مصر أصبح يبدأ بصدمة لا بوجبة!

العالم يُخفض… ونحن نُفاجأ!
الولايات المتحدة على سبيل المثال خفّضت أسعار البنزين بنسبة 10% في بعض الولايات في مطلع العام وفي الهند أعلنت الحكومة تخفيض رسوم الوقود لمراعاة دخول المواطنين أما في مصر فالأمر يختلف… نحن نغرد خارج السرب بل نحلّق في سُحب الزيادات دون مظلة!

“تحريك طفيف”… يخلّي المواطن يتبخر!
ما يُطلق عليه “تحريك الأسعار” أصبح اسمًا حركيًا لمعاناة متكررة.
المواطن لم يعد فقط يتأثر بل أصبح أشبه ببخار يتصاعد من محفظة خاوية! ينظر إلى سيارته كما لو كانت “أنتيك”، ويحسب تكلفة المشوار قبل أن يشغل المحرك، وربما يلجأ للتأمل بدلًا من التنقل!

“التوك توك بيعيّط… والدراجة بقت رفاهية!”
حتى سائق التوكتوك وهو رمز الطبقة المكافحة صار شاعرًا تراجيديًا يستفتح يومه بـ”اركب وادعيلي أرجع من المحطة سليم!”. أما الدراجة التي كانت حلم الأطفال فقد أصبحت تنافس سعر الموتوسيكل وصاحبها يحتاج جهاز تنفس قبل الطلعة!

الأسعار تهبط عالميًا… لماذا نحن الاستثناء؟
هل نحن حقًا نستخدم بنزينًا مختلفًا؟ هل تضاف إليه نكهات أوروبية أو مستخلص الزعفران؟ أم أن خزانات سياراتنا تسير بالأمل بدل الوقود؟
بحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية (IEA) لعام 2024 فقد شهد متوسط أسعار الوقود في أوروبا وآسيا انخفاضًا بنحو 15% بسبب تراجع سعر برميل النفط عالميًا. ورغم ذلك لا نزال نُصر على السير عكس الاتجاه ونطلق على ذلك “استراتيجية وطنية”!

“التحول للطاقة النظيفة؟!”
على الورق نحن نتحول. لكن المواطن هو الذي يتحول فعليًا… من مالك سيارة إلى راكب ميكروباص ثم إلى شخص يمشي وأخيرًا إلى كائن يتأمل العجلات في المنام!

قال أحد السائقين في محطة وقود بالدقي في لقاء أجرته القاهرية مساء أمس :
“بقينا نركن العربية ونركب مواصلات… البنزين بقى أغلى من اللحم!”

بينما يبتسم العالم لهبوط الأسعار نرفع نحن القبعة لـ”التحريك” وكأننا في فيلم حركة لا تنتهي مشاهده والمواطن هو “الكومبارس” الدائم الذي لا ينجو في النهاية.

فيا من تسأل عن سعر البنزين… لا تبحث عنه في السوق العالمية بل اسأل عن سعره في بلاد العجائب!

وإلى كل مواطن بيشد الحزام وبيقول: “كفاية بنزين… كده هنولع!”
نقول: اصبر… وادعي ربنا تنزل الأسعار… ولو نزلت على هيئة دمعة!

حول زيادة أسعار البنزين في مصر ونزول المحافظين للشارع :

يقول الخبير الاقتصادي د. مصطفى علي:
“زيادة أسعار البنزين في مصر ليست حالة استثنائية بل هي جزء من مسلسل طويل من الزيادات التي شهدناها في السنوات الأخيرة. ولكن من المدهش أننا نشهد هذا التحرك رغم تراجع أسعار النفط عالميًا وهو ما يعكس أزمة في إدارة الموارد الداخلية وعدم القدرة على تحسين كفاءة قطاع الطاقة. الحكومة تدعي أن هذه الزيادة ضرورية لتحقيق التوازن المالي لكن في الواقع تدفع الطبقات المتوسطة والفقيرة الثمن الأكبر.”

أما عن نزول المحافظين إلى الشوارع فهي خطوة مبدئية ولكنها لا تكفي. من المهم أن يترافق هذا مع سياسات واضحة من الحكومة لضبط السوق، لا أن تقتصر الرقابة على الفترات التي يقرر فيها المحافظ النزول. على الحكومة أن تستثمر في تكنولوجيا المعلومات لتعقب تحركات الأسعار بشكل يومي وتوفير بيانات شفافة للمواطنين.”

ويقول المحلل السياسي والاقتصادي د. خالد حسان:
“المواطن المصري أصبح ضحية للتقلبات الاقتصادية التي لا تتحكم فيها الحكومة. بينما تنخفض أسعار الوقود عالميًا نرى مصر تصعد أسعار البنزين بشكل غير مبرر. وهذا يتطلب دراسة عميقة للموازنات الداخلية وإعادة النظر في استراتيجيات الطاقة. ربما آن الأوان للتوسع في الاستثمارات في الطاقة المتجددة لتخفيف الضغط على المواطن.”

خبير الطاقة د. سامي الجمل :
“الحكومة تقول إنها تسعى إلى تعزيز استخدام الطاقة النظيفة ولكن الحقيقة أن هذه الزيادة في أسعار البنزين تتعارض مع هذا الهدف. إذا كان هناك رغبة حقيقية في تحفيز المواطن على استخدام وسائل النقل العامة أو التحول للطاقة المتجددة كان من الأفضل أن تكون هناك سياسة تسعير أكثر شفافية وتدريجية تُساعد في التكيف مع الواقع الاقتصادي.”

المحلل الاقتصادي أحمد عزت:
“ما يحدث في مصر لا يقتصر على رفع الأسعار فقط بل هو انعكاس واضح لسياسات اقتصادية غير مستدامة. زيادة البنزين تعني زيادة تكاليف النقل والإنتاج مما يؤدي إلى موجات تضخم قد تُثقل كاهل المواطن بشكل أكبر. الحلول يجب أن تكون شاملة وتقوم على تنويع مصادر الطاقة وتطوير البنية التحتية للنقل العام.”

من جانبه أكد أحد المواطنين الذي يعمل سائقًا على التوكتوك: “لما كنت بشتغل كنت عارف إن تكاليف الحياة صعبة لكن مع الزيادة دي بقت الحياة أصعب بكتير. البنزين بقى غالي والناس مش قادرة تشتغل بشكل طبيعي.”

الخبير الاجتماعي د. هالة عبد الهادي:
“الزيادة في أسعار البنزين تمثل جزءًا من أزمة اجتماعية أكبر تتعلق بتدهور مستوى المعيشة. المواطن المصري يُجبر على اختيار بين ضروريات الحياة مثل الغذاء والصحة وبين تكاليف المواصلات التي تتزايد بشكل مستمر. هذا التحدي يتطلب تدخلًا عاجلًا من الحكومة لدعم الفئات الأكثر تضررًا من هذه السياسات.”

ومما سبق يُجمع معظم الخبراء على أن الحكومة بحاجة إلى إعادة النظر في سياسات الوقود بشكل كامل مع العمل على إيجاد حلول بديلة لتخفيف العبء عن المواطن مثل تحسين وسائل النقل العام وتوسيع استخدام الطاقة البديلة.

“المحافظين في الشوارع… ليرتفع الأمل ويظل الهم!”

في خطوة جديدة خرج المحافظون في بعض المناطق ليشرفوا شخصيًا على تسعيرة الركوب للمواطنين في محاولة لإعادة ضبط الأسعار والحد من الارتفاعات غير المبررة التي يشعر بها المواطن يوميًا. بينما تُمثل هذه الخطوة أملًا ضعيفًا في قلب المواطن البسيط فإن الواقع يشير إلى أن الزيادة في الأسعار تظل قائمة والرقابة لا تزال بحاجة إلى مزيد من الفاعلية.

وأضافت د. هالة عبد الهادي:
“من الجيد أن نرى المسؤولين يخرجون إلى الشوارع للاطمئنان على معاناة المواطنين لكن السؤال يبقى: هل هذه الزيارات تعني بداية لحلول حقيقية؟ نزول المحافظين قد يساهم في تهدئة النفوس لفترة قصيرة ولكنه لن يغير من الواقع ما لم يكن هناك تعديل حقيقي في السياسات الاقتصادية.”

سائق ميني باص:
“المحافظين جاؤوا وتحدثوا معانا لكن الزيادة لسه موجودة. الناس مش قادرة تتحمل الارتفاعات دي حتى لو كان في مراقبة على الركوب الأسعار بتغلى والكل بيعاني. مش حاسين بالتحسن في حياتنا.”

في النهاية يرى المواطن أن نزول المحافظين إلى الشوارع قد يكون خطوة تجاه تحسين الرقابة على التسعيرات ولكن ما ينتظره الجميع هو حلول شاملة تُعيد التوازن إلى الأسواق وتخفف العبء الذي يزداد يومًا بعد يوم.

بنزين بروح الزعفران… ومواطن بيحلم يركب عجلة!"
Comments (0)
Add Comment